هل انتهى عصرُ الدبابةِ؟ وجاءَ عصرُ الجافلين؟

1 تعليق واحد
  • مقال للكاتب: ديفيد جونسون بتاريخ 18 أبريل 2022 على موقع”War on the rocks ” (منصة مختصة في التحليل والنقاش حول الاستراتيجية والدفاع والشؤون الخارجية).
  • ترجمة: مركز الخطابي للدراسات: 10 يوليو – تموز 2022

هل باتت الدبابةُ في الحرب الحديثة عديمةَ القيمةِ؟ هذا هو الدرس الذي يتعلمه العديد من المراقبين من سيل الصور التي تصور الدبابات الروسية الغارقة في الوحل وقد انفجرت أبراجها، بعد أن تعرضت لكمين ودُمِّرَت من قِبَلِ القوات الأوكرانية المسلحة بأسلحة رخيصة مضادة للدبابات. غالبًا ما تتم الإشارة إلى هذه الصور جنبًا إلى جنب مع صور من طائرات بدون طيار تركية الصنع تدمر الدبابات بسهولةٍ على ما يبدو، كما شكَّلَت حرب ناغورنو كاراباخ الأخيرة، التي دُمِّرَت فيها الدبابات الروسية بواسطة نفس طراز الطائرات بدون طيار، دلائل قوية لأولئك المتحمِّسين لإعلان موتِ الدبابة.

لقد رأينا بالفعل مقارنات بين المُدافعين عن الدروع وأدميرالات البوارج قبل الحرب العالمية الثانية، الذين رفضوا الاعتراف بأهمية حاملات الطائرات، أو الجنرال جون هير، آخر قائد لسلاح الفرسان بالجيش الأمريكي، الذي استمر في الإصرار على أهمية الحصان في ساحة المعركة حتى بعد الحرب الخاطفة النازية ضد بولندا وفرنسا.

كانت البحرية الأمريكية قادرةً على استيعاب كل من البارجة وحاملة الطائرات في الحرب العالمية الثانية، على الرغم من الاعتماد على البارجة في الغالب لتوفير الدعم الناري بدلاً من عبور T [1]  ضد خط قتال العدو. لكن الحصان كان مشكلة من نوع مختلف بالنسبة للجيش. كان هيرُ عقبةً أمامَ تحديث الجيش بالدبابات، وأصرَّ على أنه لن يقبل أي زيادة في الدروع على حساب قوة سلاح الفرسان، ولم يقبل بأي حلٍّ توفيقي، ولذا، استخدم رئيس أركان الجيش الجنرال جورج سي مارشال سلطة الأمر التنفيذي التي نالها بعد بيرل هاربور للتخلص من جميع الخيول في الجيش.

ما هو الهدف من هذه الحكايات؟

هنالك هدفان: في حالة البارجة، قد تتغير المنصة، لكن ليس الوظيفة. استمرت آخر البوارج التابعة للبحرية الأمريكية في الخدمة الفعلية حتى عام 1990، عندما فاقت تكاليفُ صيانتها بشكلٍ واضحٍ فائدتَها، ومع ذلك استمرت مهمة إطلاق النيران البحرية، وإن كان ذلك من سفن أصغر، وفي حالة الخيول، انتهى دورهم. ويجب أن يتقاعد السلاح، ربما إلى مزرعةِ خيولٍ جميلةٍ حيث يمكن استعادة ذكريات الأمجاد الغابرة. السؤال المطروح أمامنا الآن هو ما إذا كانت الدبابة هي المرادف الحديث للسفينة الحربية أم الحصان، أم أنها لا تشابه أياً منهما؟

لماذا الدبابةُ؟

ظهرت الدبابات لأول مرةٍ في الحرب العالمية الأولى كوسيلةٍ لتوفير خيار مناورة آمناً بعض الشيء في ساحات القتال الدامية في الحرب العظمى. حتى في هذا التاريخ المبكر، كانت هناك آراءٌ مختلفةٌ حولَ الفائدة منها، فالبعض، وعلى الأخص فولر المُدافِع عن الدبابات البريطانية والذي اعتبر الدبابات سلاحاً ثورياً، لقد اعتقد أنها ستندفعُ بسهولةٍ عبرَ دفاعات العدو وتعبث بمؤخرة قواته، مما يتسبب في حدوث فوضى، واعتقد آخرون أن الدبابة هي الحل لمشكلة كيفية تحريك المشاة إلى الأمام في ساحة معركة غمرتها النيران. هذه هي الطريقة التي استخدمت بها فرنسا والولايات المتحدة الدبابات – حيث استخدمت المدافع الرشاشة المُحصَّنَة للسماح بالحركة إلى الأمام من خلال التغلب على المشاة. باختصار، كانت الدبابة سلاح دعمٍ للمشاة، وألمانيا التي اتخذت موقفاً دفاعياً خلال معظم الحرب لم تهتمَّ كثيرًا بنشر الدبابات.

بعد الحرب العالمية الأولى، قامت هيئة الأركان العامة الألمانية بقيادة الجنرال هانز فون سيكت ​​بدراسة الحرب العالمية، ليصل إلى أن ما سَبَّبَ فشل الهجوم التمهيدي في عام 1914 – خطة فون شليفن التي تم التبشير بها كثيرًا – وهجمات الربيع لعام 1918، كان غياب الحركية العملياتية على الرغم من أن الجيش الألماني كان ناجحًا للغاية في البداية في عامي 1914 و1918 على المستويين التكتيكي والعملياتي، إلا أنه فَشِلَ على المستوى الإستراتيجي. لماذا حدثَ هذا؟ ما أدركَهُ ضباط هيئة الأركان العامة الألمانية في النهاية هو أن قوة الإنسان والحيوان لم تستطع قطع المسافات المطلوبة لتحقيق نصر إستراتيجي قبل أن تتمكن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، من تعزيز دفاعاتها وإحباط الأهداف الإستراتيجية للخطط الألمانية. بكل بساطةٍ، لا يمكن للجيش أن يمشي إلى باريس بالسرعة الكافية للإخلال بتوازن العدو.

كان الحل لمشكلة التنقل لمسافات بعيدة هو محرك الاحتراق الداخلي. ستوفر الدبابات حركة قاتلة وتؤمِّن الحماية ما سيمنح الجيشَ الألماني مدىً أطولَ، ولحل مشكلة الدعم الناري لإسناد الحرب الخاطفة، نظرت ألمانيا إلى الطائرة، لربط السلاحين، استخدمت تقنية راديو جديدة. على الرغم من أن التاريخ قد نسب الفضل في هذا الابتكار إلى الجنرال هاينز جوديريان، إلا أن الحرب الخاطفة كانت في الواقع استجابةً مؤسسيةً لحل المشكلات الإستراتيجية التي ظهرت خلال الحرب العالمية الأولى.

اتخذت ألمانيا هذا النهج في دمج الدبابة والطائرة في قوة أسلحة مشتركة بين الحربين العالميتين، على الرغم من أن جميع المقاتلين على الجبهة الغربية لديهم خبرةٌ مباشرةٌ مع هذه التقنيات. قدم هذا لألمانيا حلاً ملائماً للمشكلة المزعجة التي واجهتها ألمانيا منذ التوحد: كيف تتجنب الحرب على جبهتين في الغرب والشرق؟ هزيمة الخصم بسرعة في الغرب، قبل التحوُّل إلى الشرق كان الهدفُ دائمًا. الحرب الخاطفة، التي تعززت بالميكانيك والمحركات، وفرت الوسائل لتحقيق الإستراتيجية. واصل آخرون (الجيوش الأمريكية والفرنسية) النظر إلى الدبابة إلى حدٍّ كبير كسلاح دعم المشاة.

العصرُ الذهبيُّ للدباباتِ

كانت الحرب العالمية الثانية والحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 هما أيام مجد الدبابة، فقد أصبحت الدبابات محور كل جيش “حقيقي”، وركَّزت جهود التطوير على حقيقة أن أفضل دفاع ضد دبابة كان دبابة أخرى. كانت هناك بعض التحسينات في الأسلحة المضادة للدبابات للمشاة – كانت البازوكا الألمانية والبازوكا الأمريكية هما السلاحان الأكثرُ شهرةً. رغم أنها كانت أسلحةً قريبةً تُستخدَمُ في الكمائن أو في حالة اليأس عندما يضطر الجنود لمواجهة الدبابات.

في الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت البنادق عديمة الارتداد في الظهور في الجيوش. كانت هذه أسلحةً مضادة للدبابات يمكن أن تستخدمَ ذخيرةً ذات عيار كبير (على سبيل المثال، 106 ملم)، بدلاً من ارتداد السلاح، وقبل ظهور البندقية عديمة الارتداد، كانت المدافع المضادة للدبابات تشبه إلى حد كبير مدافع الهاوتزر، وتتطلبُ نظام ارتداد يمتص الطاقة مما جعل الأنظمة أكبر حجماً بكثير من البندقية عديمة الارتداد. أعطت هذه الأسلحة الجديدة الجنود قدرةَ قتلِ الدبابات على مدىً أكبرَ، كان في كثيرٍ من الحالات محمولًا على الرجال. ولكن على الرغم من أن النطاق قد زاد، إلا أنه لا يزال قصيراً، وتشكل الدبابة خطراً كبيراً ضمنه.

كانت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 هي الصراعُ الأول منذ الحرب العالمية الثانية التي شهدت توظيفًا واسعَ النطاق لتشكيلات الدبابات في ساحة معركة متنقلة. عزز الانتصار الإسرائيلي المدوي في هذا الصراع الرأي السائد في معظم جيوش الدولة بأن الدبابة كانت القوة المهيمنة في ساحة المعركة.

كانت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 ذات أهميةٍ خاصةٍ لأنها أثبتت صحة مفاهيم القتال في جيوش الدول الأخرى، فلم تكن هناك حرب دولة ضد دولة كبيرة بين أعداء مُجهَّزين بشكل متساوٍ منذ الحرب العالمية الثانية في أوروبا. كان هذا مهمًا بشكل خاص خلال الحرب الباردة، عندما وقفت قوات الحلفاء وحلف وارسو على طول الحدود مع ألمانيا. ما أظهره الإسرائيليون هو أن مبادئ مناورة الأسلحة المشتركة – التي اعتمدتها الولايات المتحدة وآخرون خلال الحرب العالمية الثانية لهزيمة ألمانيا النازية – كانت سليمة. علاوةً على ذلك، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي كان أقلَّ عدداً من جيوش أعدائه، فقد أظهر أن الجيوش جيدة القيادة والمُدرَّبَة والمُجهَّزَة يمكن أن تهزم قواتٍ أكبرَ عددًا. ونظرًا لأن الأسلحة والتكتيكات التي استخدمها الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية تعكس إلى حد كبير تلك المستخدمة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، دَرَسَ كل منهما الحرب لتحسين أسلحته وتكتيكاته – ولفهمها بشكلٍ أفضل. وهكذا، أصبحت الحروب في الشرق الأوسط بدائل عن الحروب الحقيقية التي قد تجري بين الناتو والاتحاد السوفياتي.

دخول ساغر (المالوتكا)

في أقل من عشر سنوات، أبرزت نفس ساحات القتال في الشرق الأوسط التي أثبتت صحة دبابة القتال الرئيسية باعتبارها القوة المهيمنة في القتال الحديث أول نقاط الضعف الرئيسية للدبابة. بين عام 1967 وحرب أكتوبر عام 1973ظهرت تقنيتان بدا أنهما غيرتا كل شيء:

  1. مكَّن تطوير ساغر[2] وغيره من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات (ATGM) المشاةِ من القدرةَ على تدمير دبابةٍ من مسافةٍ بعيدةٍ لأول مرة.
  2. وبالمثل، فإن المكوِّن الرئيسي الآخر لمؤسسة الدفاع الإسرائيلية؛ ألا وهو القوة الجوية تَعَرَّضَ للخطر بسبب صواريخ أرض جو المحمولة. ولأول مرةٍ على الإطلاق بات الفريق المنادي بأهمية الدروع الجوية موضع شك.

المكوِّنان الرئيسيان اللذان كانا أساس الحرب الخاطفة وحرب مناورة الأسلحة المشتركة – الدبابات والطائرات – فشلوا بشكلٍ كبيرٍ. وفي أعقاب حرب يوم الغفران عام 1973، نُشِرَ النعيُ الأول للدبابة. فضح ساغر نقاط ضعف في الدبابة التي اعتقد الكثيرون في ذلك الوقت أنه قد حان الوقت لإلقائها فوق كومة القمامة من الأسلحة والأفكار الفاشلة، مثل موت الفارس المدرع في معركة آجينكوت. تم تصوير هذه الأنظمة عالية التقنية باهظة الثمن على أنها فريسة ثقيلة للصواريخ المضادة للدبابات الموجَّهة رخيصة التكلفة وسهلة الاستخدام، مقارنة بسعر الدبابة، يمكن للجيوش نشر مئات من الصواريخ الموجَّهة المضادة للدبابات. فلماذا لم يفعلوا؟

ماذا يجبُ أن تفعلَ بشأنِ الصواريخِ الموجهةِ المضادةِ للدباباتِ؟

كان لا بد من الإجابة على سؤالين مهمين مع ظهور الصواريخ الموجَّهة المضادة للدبابات في ساحة المعركة. أولاً: لماذا احتاجت الجيوش إلى الدبابات؟ وثانيًا: إذا كانت هناك حاجة للدبابات فما الذي يمكن عمله للتخفيف من تهديد الصواريخ الموجَّهة؟ كانت الإجابة على هذين السؤالين ذات أهمية كبيرة لجميع الجيوش، ولكن بشكل خاص للجيش الإسرائيلي والقوات المسلحة الأمريكية. مرة أخرى، كان هناك مجالان متنازع عليهما، هما البر والجو من خلال نشر الصواريخ المضادة للدروع الموجَّهة وصواريخ أرض جو المحمولة، ستكون الحلول لاستعادة دور الدبابة والطائرة في أرض المعركة هي نفسها لكليهما.

ظل الدور الرئيسي للدبابة دون تغيير بشكل أساسي منذ الحرب العالمية الثانية. في الهجوم قدَّمَتِ الدبابةُ قوةً فتاكةً متحركةً ومحميةً في ساحة المعركةِ لتمكين مناورة القوات البرية. وفي الدفاع كانت الدبابة هي أفضلُ سلاح ضد دبابةٍ أخرى، فهي سلاحك ضد العدو في معركة بالأسلحة النارية. بالنسبة للجيش الإسرائيلي، كانت الدبابةُ هي الأساس لقدرتهم الأرضية على الدفاع عن بلادهم ضد أعداء متفوقين عدديًا على جبهات متعددة. بالنسبة للولايات المتحدة، كانت الدبابة مُكوِّنًا رئيسيًا للقوة البرية في أوروبا لردع اتفاق وارسو المتفوِّق عدديًا، وكان حلُّ نقاط الضعف في الدبابة عاملاً رئيسًا للردع الأرضي لكلا الدولتين.

علاوةً على ذلك، لم تكن هناك تقنية أخرى يمكنها توفير قوة فتك محمولة ومحمية غير الدبابة. لم تكن القوات الراجلة المُسلَّحَة بالصواريخ الموجَّهة هي طلائعُ قوةِ المناورة لا في الهجوم ولا في الدفاع الذي يتطلب حركة سريعة للنجاح في ساحة معركة غطتها المدفعية ولا في حال شن هجمات مضادة لإحباط مخططات مناورة العدو.

يمكن التفكير بحل للصواريخ الموجَّهة المضادة للدبابات، كما هو الحال في المنافسة المحمومة المستمرة بين الدبابة والتهديدات المستقبلية عبر دراسة الحرب العالمية الثانية للحصول على حلول تكتيكية مع إضافة تحسينات تقنية للدبابة. خلال الحرب العالمية الثانية تعلمت جميع الجيوش ما مارسته القوات الألمانية: نيران الأسلحة المشتركة والمناورة التي تضمنت الدعم الجوي. في الجيش الأمريكي كان هذا النهج أكثر صعوبة في التنفيذ بسبب المنافسة بين القوات البرية والقوات الجوية (كانت القوات الجوية للجيش جزءًا من الجيش حتى إنشاء القوات الجوية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية). أتحدث عن هذه التحديات وكيف تم حلها في الدبابات السريعة والقاذفات الثقيلة. يكفي هنا أن نقول إن التكامل الجوي-الأرضي لم يكن مدفوعًا من قِبَلِ المؤسسات في واشنطن، ولكن من قِبَلِ القادة في ساحة المعركة الذين يحاولون معرفة كيفية تقليل الخسائر والانتصار في ساحة المعركة، وما توصَّلوا إليه في النهاية كان فريقًا متكاملاً من الدبابات والطائرات، مدعومًا بالمدفعية الميدانية، حيث نجح هذا التكامل في تدمير الجيش الألماني المتبجح، وانتزع الأجواء من التشكيلات الألمانية، التي أُسكِتَت دفاعاتها الجوية بنيران المدفعية. كما أطلقت نفسُ المدفعية النارَ على المشاة الراجلين باستخدام صواريخ بازوكا وغيرها من الأسلحة المضادة للدبابات.

أدرك كل من جيش الدفاع الإسرائيلي والجيش الأمريكي في النهاية أنه نظرًا للأهمية المُستمرة للقدرة الفتَّاكة المتنقلة والمحمية (الدبابة)، فإن حتمية تحييد صواريخ ساغر وغيرها من الصواريخ الموجَّهَة المضادة للدروع كانت أول الأولويات. كان الحل تكتيكيًا بشكلٍ أساسي:

  • عمليات أسلحة مشتركة، مع إيلاء اهتمام خاصٍ لتحييد هذه الصواريخ المضادة للدبابات، كما قام الجيش الإسرائيلي أيضًا بإجراء تحسينات تقنية، حيث قام بتركيب مدافع الهاون على دباباته، وهي ممارسةٌ مستمرةٌ حتى يومنا هذا مع سلسلة دبابات القتال الرئيسية الميركافا.
  • أخيرًا: تم تركيب عبوات دخان على المركبات القتالية في كل جيش لحجبها عن النار. لم تكن هذه تجربة جديدة، حيث تم استخدامها على الدبابات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.

في القتال، عندما يكتشف طاقم الدبابة منصةَ صاروخ ساغر، يبدأ على الفور في إسكاته بقذائف الهاون، وسرعان ما تنضم إلى تلك النيران قذائف هاونٍ أكبرٌ ومدفعية ميدانية. علاوة على ذلك تطورت خبرة جيش الدفاع الإسرائيلي والجيش الأمريكي حيث سيكون لدى وحدات المدفعية أسلحة موجَّهة الى مواقع ساغر المُحتَمَلَة حتى تتمكن من استخدامها بسرعة في مهام إسكات فورية. كانت هذه التقنية فعالة بشكل خاصٍ ضد ساغر، الأمر الذي تطلب من رامي المدفعية الراجل تتبع الصاروخ وصولاً إلى الهدف. إن تعريض رامي الصاروخ للهب انفجار القذائف – وهو ما تؤديه القذائف شديدة الانفجار عند انفجارها بالقرب من موقع الشخص – من شأنه أن يكسر التركيز على الهدف ويتسبب في تضييع الصاروخ المُنطلق نحو هدفه.

كان التحسين الفني الأكثرُ أهميةً في الاستجابة للصواريخ المضادة للدبابات هو تطوير الدروع المحسنة لتحل محل الفولاذ المتجانس القديم، والذي يعود لحقبة الحرب العالمية الثانية والذي تم استخدامه في الدبابات. كان الطلبُ هو الحصول على درع جديد من شأنه أن يحمي الدبابة من الرؤوس الحربية المتشكلة لساغر والأسلحة الأخرى المضادة للدبابات. هنا سار البريطانيون في هذا الطريق، حيث طوروا درع شوبهام[3] الذي كان يحمي من الرؤوس الحربية والطاقة الحركية، وسرعان ما تتابعت الحلول الأخرى، على سبيل المثال، الدروع التفاعلية المُتفجِّرَة[4].

ونظرًا لأن جيش الدفاع الإسرائيلي اعتمد بشكل كبير على العمليات الجوية والأرضية فقد كان عليه حلُّ تحدي SAM للتفوق الجوي، وثبت أن الإسكات بنيران المدفعية كان الحل التكتيكي لتحييد صواريخ العدو أيضًا.

دَرَسَ الجيش الأمريكي أيضًا حرب يوم الغفران عام 1973 مدركًا أن الجيوش العربية التي واجهتها قوات الدفاع الإسرائيلية كانت مُجهَّزَةً إلى حد كبير بالأسلحة السوفيتية وتمارس العقيدة السوفيتية. إذا كان بإمكان السوريين والمصريين أن يهزموا تقريبًا القوات الإسرائيلية التي لم تُقهر حتى آنذاك، فما الذي يمكن أن يفعله حلف وارسو ضد الناتو؟ هنا كما هو الحال مع الجيش الإسرائيلي كان السلاح المشترك هو الحل. اجتمع الجيش الأمريكي والقوات الجوية الأمريكية أيضًا حول مشكلتهما المشتركة وهي مشكلةٌ لا يمكن لأي منهما حلها بشكلٍ مستقلٍ، ولكن في الأساس كان الدرس الأساسي هو أن القوات الجوية والبرية المتكاملة بإحكام والتي تعتمد على بعضها البعض ستنتصر، واستعادت الدبابة والطائرة صعودهما في ساحة المعركة.

لا إنساناً في هذه العمليةِ

جاءت الإشارة التالية إلى أن الدبابة واجهت تحديًا جديدًا كبيرًا، وربما قاتلاً، خلال حرب لبنان الثانية عام 2006. مرةً أخرى كان التحدي هو الصواريخ الموجَّهَة المضادة للدبابات. لكن صواريخ كورنيت إم 133 كان لها مدى أطول بكثير من صاروخ ساغر (5000 متر مقابل 3000 متر)، وهو رأس حربي ترادفي يمكنه اختراق جميع الدروع المعروفة حتى الجبهية منها، والأهم من ذلك – أنه يحتوي على نظام توجيه شعاع الليزر سهل التشغيل.

بعدها مباشرة، تم الإعلان عن نهاية الدبابة، ولكن هذه المرة على أيدي جهات فاعلة غير تابعة لدولة. كانت الأسلحة الرخيصة مرة أخرى عدو دبابات القتال الرئيسية باهظة الثمن. ومع ذلك أدرك الجيش الإسرائيلي أن الدبابة هي الوحيدة التي لديها القدرة على الصمود في ساحة المعركة، حتى ضد أعداء هجينين مثل حزب الله. فإذا كانت الدبابات ضعيفة أمام المخاطر، فإن المشاة الراجلين مجرد لحم.

كان جزء من الحل للجيش الإسرائيلي هو إدراك أن حزب الله كان خصمًا كفؤًا مسلحًا بأسلحة فعالة جدًا وذات مدى بعيد وتتطلب مواجهتها تكتيكات أسلحة مشتركة، فكان لا بد من تدريب أطقم الدبابات مرةً أخرى في التدريبات القتالية للقتال عالي الكثافة والتكامل الجوي والأرضي، وظهر مفهوم الإسكات بالمدفعية مرةً أخرى في المقدمة كمتطلباتٍ للقدرات. كان لا بد من إسكات أسلحة العدو لتمكين التشكيلات المُدرَّعَة من إشراك المشاة في المعركة القريبة – آخر معركة بطول مئة متر. ومع ذلك فإن الكورنيت ونظرًا لمداها ونظام التوجيه الخاص بها كانت بحاجة إلى حل تقني بالإضافة إلى نهج عقائدي/ تكتيكي، فحتى لو نفذ صاروخ واحد فهذا يعني خسارة مُحتملة لسلاح باهظ الثمن وإيقاع إصابات.
كان الحل التقني الذي قدمه جيش الدفاع الإسرائيلي ردًا على الجيل الجديد من الصواريخ الموجَّهَة المضادة للدبابات هو نظام الحماية النشطة تروفي. وهو باختصار، يُعتبر سلاحًا متطورًا موجهًا بالرادار، مُثبَّتًا على الدبابة، لإسقاط الصاروخ الموجه القادم. كما أن لديها ميزةَ تزويدِ الطاقم والأنظمة الأخرى المتصلة بالشبكة بموقع قاعدة إطلاق الصاروخ.

سرعان ما أثبت تروفي جدواه في العمليات الإسرائيلية ضد حماس في غزة، حيث تم بشكل أساسي تحييد تهديدات الصواريخ الموجَّهَة والقذائف الصاروخية للمركبات المجهزة بالنظام، وقامت كل من الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة باستيراد تروفي، وطورت دول أخرى أنظمة حماية نشطة: القتل الخشن[5] والقتل الناعم[6]، على سبيل المثال، نظام أرينا الروسي وأفغانيت وموس الألماني.

إذا لم تتمكنْ من تخطيها، فتجاوزها:

تم تصميم معظم أنظمة الحماية النشطة للتغلب على الصواريخ الموجهة التي توجَّه إلى مقدمة الآلية أو جوانبها، كان هذا هو المسار الذي تم فيه استخدام الصواريخ الموجهة مثل ساغر “مالوتكا” وكورنيت وتاو لأن الجبهة والجوانب هي أكثر المناطق المدرعة في الدبابة، نظرًا لأن هذا هو المكان الذي تضرب فيه أسلحة العدو بشكل عام. تستهدف أسلحةُ الهجوم العلوي أسطحَ المركبات المدرعة الخفيفة. وتشمل هذه الصواريخ المضادة للدبابات، على سبيل المثال، جافلين، ومجموعة متنوعة متزايدة من قذائف المدفعية والطائرات بدون طيار. لقد عقَّدَت كل هذه الأسلحة تحدي الدفاع النشط الذي تناوله الكأس في الأصل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن جافلين من نوع أطلق وانسَ مع قفل قبل الإطلاق والتوجيه الذاتي التلقائي، مما يمكّن الطاقم من تغيير موقعه والابتعاد عن الخطر بعد إطلاق النار. مرة أخرى، سلاح رخيص نسبيًا وسهل التشغيل يقتل الجوهرة الرئيسية الباهظة الثمن لجيش العدو.

استحوذت صور جافلين على مخيلة الجمهور بسبب استخدامها في أيدي المقاتلين الأوكرانيين الأبطال: مقلاع حقيقي لداوود الأوكراني ضد جالوت الروسي، ومقاطع الفيديو التي تظهر حطام الأرتال الروسية المنحوسة رآها الجميع. يتم استخدام فعالية صواريخ جافلين بالفعل من قبل البعض لتبرير قرارات تصميم القوة المستمرة والمثيرة للجدل، على سبيل المثال، قرار سلاح مشاة البحرية الأمريكية بالتخلص من دبابات أبرامز، التي ظهرت مؤخرًا في صحيفة ووار أون ذا روكس.

رد تيم باريك ونويل ويليامز على الأسئلة المهمة التي يطرحها أولئك الذين يعارضون نهج مشاة البحرية الحالي المتمثِّل في مفهوم عمليات القاعدة الاستكشافية المُتقدِّمَة التي يقودها قائدها الجنرال ديفيد بيرغر. كتب باريك أن هؤلاء كبار ضباط البحرية المتقاعدين قلقون مما يلي:

إن القضاء على الدبابات، والتقليل من نيران المدفعية للإسكات، وكتائب المشاة الأصغر، والتركيز على بناء أفواج ساحلية للبحرية يُغيِّرُ بشكل أساسي من قدرة الأسلحة المُشتَرَكَة لأداء أي مهمة.

ويشير باريك إلى أن “هذه المخاوف لا تزال قائمةً على الرغم من المحاولات المتعددة من جانب القادة لإيصال تطبيقات القوة على المهام والمسارح الأخرى”، ويتابع مُستشهداً بالدروس الأولى من الحرب المستمرة ردًا على الانتقادات الموجَّهَة للقيادة:

يرتبط بشكل مباشر بالسؤال أعلاه دور الدبابات والمدفعية والمشاة في حرب الأسلحة المشتركة المعاصرة. لقد رأى الجميع إبادة التشكيلات الآلية الروسية في أوكرانيا حيث هزمت قوة الدفاع الدبابات الروسية، وفتك المشاة الخفيفين المسلحين بأسلحة حديثة مضادة للدبابات بها.

من السابق لأوانه الوصول لمثل هذه الاستنتاجات، فضلاً عن فهم سبب إثبات ضعف القوات المدرعة الروسية الشديد أمام صواريخ جافلين، وكذلك ضد صواريخ ستونجا-بي الأوكرانية وغيرها من الصواريخ الموجَّهَة المضادة للدبابات.

أشعر أن القوات الروسية تواجه نفس الصعوبات التي واجهتها القوات الإسرائيلية في لبنان، وإن كان ذلك على نطاق أوسع بكثير. فقد ثبت أن الجيش الروسي غير مؤهل في مواجهة نيران الأسلحة والمناورة المشتركة. أين جنود المشاة المرافقون لتشكيلات الدبابات الذين يُفتَرَض بهم إفشال الكمائن التي نصبتها القوات الأوكرانية؟ أين قذائف الهاون الإسكاتية والمدفعية ونيران الدعم الجوي القريب؟ إذا كان الجيش الروسي ماهرًا من الناحية التكتيكية، فسيتم إسكات صواريخ جافلين وغيرها من الصواريخ الموجَّهَة المضادة للدبابات بواسطة المدفعية أو الدعم الجوي وستقضي المشاة الروسية على من ينجو من أطقمها. حتى الآن، يبدو أن هذه الكفاءات الرئيسية غير متوفرة والجنود الروس يدفعون ثمنًا باهظًا لعدم استعدادهم.

مرة أخرى، يختلف تهديد الصواريخ الموجَّهة في أوكرانيا عن ذلك الذي شهدناه في النزاعات السابقة، حيث يهاجم هذا السلاح الدبابة المُستهدفة من الأعلى لاختراق الدرع العلوي الرقيق ويتجنَّب بذلك اعتراض أنظمة الحماية النشطة التي لا توفر غطاءً علويًا. هذه مشكلة تقنية يمكن أن يؤدي حلها، عند اقترانه بالأسلحة المدمجة الفعالة ونيران الإسكات، إلى تمكين الدبابة من الاستمرار في القيام بأفضل ما تفعله الدبابات وهو: تحقيق الصدمة الحاسمة من خلال التطبيق البارع لسمات الحركية والحماية والفتك كجزءٍ من فريقٍ محترفٍ للأسلحة المُشتَرَكَة. لكن الطائراتِ بدون طيار أمرٌ مختلف.

الطائرات المُسيَّرة فوق الجميع

ظهرت الأنظمة الجوية بدون طيار كسلاح يعمل بمفرده خلال “الحرب العالمية على الإرهاب”. كانت طائرات Predators وReapers لا تقدر بثمن في توفير معلومات استخباراتية عن مسرح ممتد، وتقديم مراقبة، وتغطية استطلاعية، فضلاً عن قدرة الضربة الدقيقة بعيدة المدى ضد الأهداف المهمة جداً. ومع ذلك، فهذه المِنصَّات مُعقَّدَةٌ ومُكلِفَةٌ، ولها بنىً تحتيةٌ داعمةٌ ضخمةٌ. ونظراً لتكاليفها المرتفعة نسبياً والمنافسة مع الطائرات التي يقودها طيارون، لم يتم استخدامها بأعداد كبيرة. لم يكن هناك، ولن يكون هناك على الأرجح أسراب من طائرات بريداتور أو ريبر المُسيَّرة. أما ما أحدث صدمةً فهو وصول طائرات بدون طيار أصغر وأرخص ثمناً وقابلة للاستهلاك: “السرب” المخيف.

لفتت هذه الطائرات بدون طيار المسلحة والقابلة للاستهلاك الانتباه العام لأول مرة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وما كان يُعتبر سابقًا ألعاب متجر للهوايات ظهر فجأة في ساحة المعركة مُسلَّحَاً بالقنابل اليدوية، وعلى الرغم من أن التهديد الذي تمثله أسلحة روبي غولبيرغ لم يكن منطقياً إلى حد كبير، إلا أنه بالنسبة لأي مراقب، كان نذيراً بأشياء قادمة.

في العقد الماضي، كان الانتشار المُتزايد للأنظمة الجوية المُسيَّرة في ساحة المعركة مذهلاً. سواء كانت من طراز: بريداتور، أو سوتشبلادس، أو ريبرز، أو البيرقدار التركية، أو ذخائر مُتسكِّعَة، أو مجرد ألعاب مسلحة، فقد ثبت أن للأنظمة الجوية غير المأهولة قدرةٌ لا يُستهان بها. وكما ذكرنا آنفاً: العديد من الأنظمة الأرضية المدرعة الحالية باتت عُرضَةً للهجمات من الأعلى، يمكن أيضًا تنفيذ هذا النوع من الهجوم بواسطة طائرات بدون طيار. والاستخدامات الأخرى التي ثبت أنها ذات فائدة كبيرة تشمل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وتحديد الموقع الجغرافي وأجهزة الاتصالات والتشويش، على سبيل المثال لا الحصر.

يتعلَّق الاستخدام المُحتَمَل للأنظمة المُسيَّرة بخيال وثقافات الجيوش التي تحاول استخدامها ضمن قوَّاتِها. فهي غير مُكلِفة نسبيًا، ومن الصعب استهدافها، ولا تتطلب (في معظم الحالات) مُشغِّلين مُدَرَّبين تدريباً عالياً لتسييرها، وتتمتع بالجاذبية لأسباب عديدة: التكلِفَة، وتقليل المخاطر على الطيارين في قمرة القيادة، وانخفاض أعباء التدريب… إلخ. أما القيد الرئيسي، كما كان دائمًا بالنسبة للأنظمة الجوية غير المأهولة، هو القيد الثقافي. “يجب أن يكون يقود الطائرات طيارون” يُعتَبَر هذا بياناً مُقدَّساً لا يجري الاعتراض عليه غالب الأحيان. وفي غياب الفعالية المُثبَتَة لطائرة بريداتور على مساحات شاسعة من أفغانستان وأماكن أخرى، فمن المشكوك فيه أن تكون الولايات المتحدة وقواتها المُسلَّحَة قد مضت قدماً بالقدر اللازم في هذه النقطة مع الأنظمة المُسيَّرَة.

يطرح باريك هذه الأسئلة المهمة في مناقشته لجهود تصميم قوات مشاة البحرية، من منظور القدرة البحرية والدفاع ضد طائرات العدو بدون طيار. أولاً، يسأل عما إذا كانت الطائرات بدون طيار والطائرات المأهولة والذخائر المتساقطة والصواريخ يمكن أن تحل محل دبابات مشاة البحرية والمدفعية بشكل فعال. ثانيًا، يُحذِّر من أنه لا يوجد حاليًا مضادٌ فعَّالٌ للذخائر المُتسكِّعَة وأسراب الطائرات بدون طيار للخصم. وبغض النظر عن تصميم الأسلحة والقوة الذي تستقر عليه الجيوش في النهاية، سيكون مشاة البحرية في خطر حتى يتم التوصل إلى حلٍّ “للمعركة الجوية التي خطت خطوتها الأولى في رحلة الألف ميل ضد الطائرات بدون طيار”. هذه النصيحة تستحق الاهتمام، من قبل كل من مشاة البحرية والجيش.

وهكذا، يمكن أن نتساءل بشكل جدي ما إذا كانت الطائرات بدون طيار رخيصة الثمن أم لا، وهل يمكن أن تكون المسمار الأخير في نعش الدبابة. يبدو أن حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020 والحرب المستمرة في أوكرانيا توحي بذلك للكثيرين، ومقال أصدرته صحيفة فورين بوليسي بعنوان: “القوة الجوية الجاهزة تغير ساحة المعركة في المستقبل” يتبنَّى هذا الرأي بالكامل.

في هذا المقال، قال (سكوت شو) مدير مجموعة الحرب غير المتكافئة التابعة للجيش الأمريكي تعليقاً على حرب ناغورنو كاراباخ: “يمكنك مشاهدة مقطع فيديو لدبابات تُضرَب من قبل نظام جوي بدون طيار، ومواقع مدفعية تُضرب بواسطة نظام جوي بدون طيار، وتُضرَب القوات بمنظومة جوية بدون طيار”. وبالتالي، في تقدير شو، فإن النتائج مذهلة:

ما هو واضح في هذا الصراع هو أن دولة أقلَّ إنفاقاً عسكرياً يمكنها القيام بحرب أسلحة مشتركة. … ليس عليك أن تكون الولايات المتحدة أو روسيا، فالثمن الذي يؤهِّلُك للدخول في حرب أسلحة مشتركة أقل مما كان يُعتَقَد في البداية، فلا تحتاج إلى شيء مثل سلاح الجو الأمريكي، وهي قدرة مُذهِلَة ومُدرَّبة بشكل رائع، من أجل القيام بنشاط محلي جو-أرض أو جو-جو. من هذا المنظور، فإن التحدي الذي تشكله الطائرات بدون طيار، سواء كانت أنظمة جوية بدون طيار أو سفن بحرية أو روبوتات أرضية، هو تحدٍ كبيرٌ، فهذه الأنظمة لا تدقُّ ناقوس الموت للدبابة فحسب، بل ربما تدقُّ ناقوس الموت لكل ما يتعلق بحرب الأسلحة المشتركة كما نعرفها.

الأسئلةُ حسبَ الأولويةِ

السؤال الأول الذي يجب طرحه والإجابة عليه هو: كيفَ يدير الجيش عمليات قتالية برية ناجحة في مواجهة التهديد الذي تشكله الأنظمة المُسيَّرة؟؟ قدم البعض المركبات الأرضية غير المأهولة كحل لهذه المقاربة وجذابة بشكل أساسي لأنها تحمي الجنود، ولا تمنع تدمير المركبة. لسوء الحظ، فإن عدم خسارة الجنود ليس المقياس الرئيسي للنجاح في الحرب. تحقيق الأهداف بأقل تكلفة في حياة جنودك هو النجاح.

علاوة على ذلك، لم تتقدم حالة الروبوتات القتالية الأرضية إلى درجة تتمتع فيها بخفة الحركة التي تتمتع بها المركبات المأهولة؛ أُدرِكُ أن هذه هي الحجة نفسها التي استخدمها منذ عقود المدافِعون عن الطائرات المأهولة وأن هذا الرأي أعاق تطوير أنظمة جوية بدون طيار لفترة طويلة جدًا. الحقيقة هي أن بيئةَ الأرض مختلفةٌ كثيرًا وأكثر ازدحامًا من السماء، وقد تحل الروبوتات في النهاية محل أنظمة الأرض المأهولة؛ بل إنهم بالتأكيد سيزيدونها. ولكن في مرحلة ما يكون الهدف من الحرب البرية هو التفاوض على تضاريس معقدة لهزيمة العدو واحتلال أراضيه. هذا شيء من المحتمل أن يقوم به الجنود من البشر لبعض الوقت في المستقبل.

فيما يتعلق بفائدة الدبابة مقابل الروبوت، يجب أن يكون المعيار هو أن كلاهما يجب أن يوفر حركةً مُفاجِئةً حاسمةً من خلال القدرة على الفتك وتمتعها بالحماية لهزيمة العدو، سواءً كان ذلك من قبل الجنود أو الروبوتات. مرة أخرى، من المهم أن نفهم أنه في جميع الحالات سيكون الروبوت معرضًا تمامًا للصواريخ الموجَّهَة والطائرات بدون طيار تماماً مثل الأنظمة المأهولة. وكي تكون قادرًا على إجراء المناورة في ساحات القتال في المستقبل فإن الحل الذي يتيح المناورة الأرضية ضد أسلحة العدو هو المطلب الرئيسي.

هل انتهى عصرُ الدبابةِ؟

هل العناوين الآتية من الحرب الروسية الأوكرانية هي النعي الأخير للدبابة كأداة قابلة للاستخدام في الحرب، أم أن هذا سابق لأوانه؛ كما هو الحال مع لافتة شيكاغو ديلي تريبيون التي أعلنت خسارة ترومان أمام ديوي في الانتخابات الرئاسية عام 1948؟ هل الدبابة هي خيول الفرسان في القرن الحادي والعشرين؟ أم أنه نظام دعم مفيد، مثل البارجة في الحرب العالمية الثانية؟ أم أنها لا تزال، مع التكيف، السلاح المفضل للقتال البري؟

قبل تشييع الدبابة إلى القبر، كان السؤال الأول الذي يجب الإجابة عليه قبل دفن الدبابة هو: هل هناك دور مستمر لتلك المركبة الفتاكة والمتنقلة والمحمية في ساحات القتال في المستقبل؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فإن الفعل التالي في الدراما المستمرة حول كيفية حماية الدبابة هو تمكينها من القيام بما يمكنها القيام به فقط. وبالنظر إلى أحداث اليوم، يجب معالجة هذا السؤال بموضوعية وعجلة.

ويجب علينا جميعاً تذكُّر ما قاله الجنرال الأسترالي كاثرين توهني سنة 2019: “الدباباتُ أشبهُ بالبدلاتِ الرسميَّةِ، لا تحتاجها على الدوام، لكن عندما تمسُّ الحاجة لها فما من شيءٍ يُمكِنُ أن يَحُلَّ محلَها”، هذا التحذير يفسِّرُ لمَ استمرت الدبابةُ ولمَ لم يَحِنْ وقتُ تشييعها، إلا إذا ثبتَ عكسُ كلامنا.

انتهى…


ديفيد جونسون: عقيد متقاعد في الجيش الأمريكي وهو باحث رئيسي في مؤسسة راند وباحث مساعد في معهد الحرب الحديثة في ويست بوينت. وهو مؤلف كتاب “الدبابات السريعة والقاذفات الثقيلة: الابتكار في الجيش الأمريكي”، 1917-1945. من عام 2012 إلى عام 2014 أسس وأدار رئيس أركان مجموعة الدراسات الاستراتيجية للجيش للجنرال ريموند تي أوديرنو.

[1] عبور T: هو تكتيك حربي بحري تقليدي اُستُخدِم منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، حيث يعبر خط من السفن الحربية أمام خط من سفن العدو، مما يسمح لخط العبور بتوجيه جميع نيرانهم للعدو بينما يتعرضون لنيران العدو الأمامية فقط.

[2] 9كي11 ماليوتكا (بالروسية: Малютка)، (بالإنجليزية: 9K11 Malyutka )‏ يعرف لدى الغرب بـ أيه تي-3 ساغر (بالإنجليزية: AT-3 Sagger)‏، أو صاروخ ساغر ، الصاروخ مالوتكا من صنع روسي شرقي، هو صاروخ مضاد للدروع من الجيل الأول، مخصص للرمي على الأهداف المدرعة والعربات والتحصينات، يوجه بواسطة سلك أثناء الطيران, يمتاز بخفة وزنه وحجمه نسبة إلى باقي الصواريخ الروسية من الجيل الأول دخل الخدمة سنة 1961 يمكن إطلاقه من منصات تركب على المركبات أو إطلاقة من قبل المشاة.

[3] درع شوبهام هو الاسم غير الرسمي لدرع مركب تم تطويره في الستينيات في مركز أبحاث الدبابات البريطاني وأصبح الاسم منذ ذلك الحين المصطلح العام الشائع لدرع المركبات الخزفية المركبة. ومن الأسماء الأخرى التي أعطيت بشكل غير رسمي لدرع شوبهام “بيرلينجتون” و “دورشيستر”. “درع خاص” هو مصطلح غير رسمي أوسع يشير إلى أي ترتيب للدروع يشتمل على لوحات تفاعلية “شطيرة”، بما في ذلك درع شوبهام. وعلى الرغم من أن تفاصيل بناء درع شوبهام تظل سرية، فقد تم وصفها بأنها مكونة من بلاط خزفي مغطى بإطار معدني ومربوط بلوح دعم والعديد من الطبقات المرنة. نظرًا للصلابة الشديدة للسيراميك المستخدم، فإنها توفر مقاومة فائقة ضد الشحنات المشكلة مثل القذائف شديدة الانفجار المضادة للدبابات (HEAT).

[4] الدروع التفاعلية هي نوع من دروع المركبات الحربية، مبدأ عملها هو ان يقوم الدرع بطريقة ما بالحد من تأثير المقذوفات المضادة للمدرعة أو الدبابة، وهي أكثر كفاءة امام قذائف الحشوة المُشكلة والخوارق النفاثة: الصلبة، أشهر أنواع الدروع التفاعلية هو الدروع التفاعلى المتفجر (ERA)، اما الأنواع الآخرى فهى الدروع التفاعلية: المتفجرة محدودة التأثير (SLERA)، والدروع التفاعلية اللانشطة (NERA)، والدروع التفاعلية غيرالمتفجرة (NXRA)، و: الدروع التفاعلية الكهربائية (Electric Reactive Armor).

تتألف عناصر الدروع التفاعلية المتفجرة من صفيحة أو شريحة من مادة شديدة الانفجار محشورة بين صفيحتين من المعادن وتسمى هذه العناصر بالعناصر التفاعلية أو العناصر الحركية. في حالة اصابة الدبابة بقذيفة يؤدي الضغط على قرميدة الدرع إلى انفجار المادة الوسطى مسببة دفع طبقات المعدن لتدمير القذيفة المهاجمة أو على الأقل تشويهها وحرفها عن مسارها مما يعنى صعوبة أكبر بكثير في خرق الدرع السلبي الأساسي للدبابة.

[5] تكشف أنظمة القتل الخشن الهدف القادم بطريقة نشطة وتبني نظام دفاع مضاد للهجوم على نطاقات متوسطة وقريبة، أي يتم تشكيل دائرة نيران نشطة حول الآلية لاعتراض الهدف القادم وتدميره قبل أن تصطدم بالمركبة.

[6] أنظمة القتل الناعم. يتم تطبيق تدابير القتل الناعم عندما يكون من المتوقع أن يتم التدخل بنجاح في نظام سلاح قائم على أجهزة الاستشعار. يمكن أن يكون مستشعر التهديد إما اصطناعيًا، على سبيل المثال: كاشف للأشعة تحت الحمراء للحالة الصلبة، أو النظام الحسي البشري (العين والأذن أو إحداهما).


المقالة السابقة

خَنْقُ الدُّبِ؟  العقوباتُ على روسيا بعدَ أربعةِ أشهرٍ
المقالة التالية
ردع الأعداء داخل البلاد وخارجها “كيف تصبح ضابط مكافحة استخبارات”.

1 تعليق واحد. Leave new

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed