تحليل : نظرة على زلزال تركيا وسوريا

لا توجد تعليقات

مركز الخطَّابي للدراسات

أولاً : تركيا

  • غالباً ما ينظر إلى الزلازل على أنها نذير للتغيير السياسي أو الاضطرابات…
  • في تركيا عام 1999، هز زلزال هائل مقاطعة كوجالي، بالقرب من إسطنبول. وأساءت الحكومة التركية آنذاك إدارة الأزمة، فسُجِّلَ عدد الوفيات بأكثر من سبعة عشر ألف شخص في الزلزال، لكن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
  • كان أردوغان عمدة إسطنبول آنذاك من بين الأشخاص الذين دعوا لمحاسبة المسؤولين بشدة، وكانت الاستجابة الفاشلة لزلزال 1999 أحد العوامل التي ساعدت في إيصال حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في أنقرة.
  • بالطبع يوجد نماذج أخرى كان الفضل فيها للزلازل والكوارث الطبيعية في تغيير واقع البلدان نحو الاستقرار أو الانفجار، كما حصل في إندونيسيا وسيريلانكا مع جماعات نمور التاميل وحركة أتشيه الحرة.
  • من السابق لأوانه القول ما إذا كانت الكارثة الحالية في تركيا ستسفر عن تغيير مؤثر في السلطة. لكن بشكل عام فإن بطء وصول خدمات الإنقاذ إلى مركز الزلزال وتساهل الحكومة في تطبيق لوائح البناء قد ولَّد موجة غضب داخلية تحاول المعارضة التركية استغلالها لصالحها، لا سيما وأن الانتخابات على بُعْدِ بضعة أشهر، إذا مضت كما هو مخطط لها.
  • إذاً، من الطبيعي أن تكون عواقب الزلزال محور الانتخابات التركية القادمة، وبالتالي فإن الحكومة التركية الآن على المحك  إما أن تدير الأزمة بطريقة تجنِّبها الغضب الشعبي المتزايد أو أنها معرَّضة لخسارةٍ كبيرةٍ محققةٍ.
  • ربما تصنع تداعيات الزلزال أزمة اقتصادية خانقة، فمن المتوقع تأثيرها على الناتج المحلي وستسبب انخفاضاً في معدل النمو بمقدار 1-2%، وقد تتسبّب في عجزٍ إضافي في الميزانية لا يقلّ عن ثلاثين مليار دولار إلا إن نجحت الحكومة التركية بإدارة الأزمة بطريقة مرنة وهو ما يحتاج دعماً مالياً ضخماً من حلفائها.
  • قد تتجه الحكومة لتأجيل موعد الانتخابات حتى نهاية العام رغم صعوبة ذلك قانونياً والخوف من تفاقم التداعيات الاقتصادية للزلزال وخروجها عن السيطرة نهاية العام الحالي… لكن حتى الآن لم يتم اتخاذ أي قرار، ويبدو أن 14 مايو يبقى الموعد المرجح لموعد الانتخابات بحال نجاح الحكومة التركية في إدارة الأزمة على المدى القصير بنجاح.
  • حتى ذلك الوقت سيكون #الزلزال محور السياسة التركية وعاملاً مهماً في بقاء حكومة العدالة والتنمية وعلى رأسها #أردوغان أو العكس…

نظام الأسد:


تدفع ((المنظمات الإنسانية)) باتجاه رفع العقوبات المفروضة على نظام الأسد وتسريع وصول المساعدات، وقد تلقى الأسد مساعدات من دول الخليج على رأسها السعودية والإمارات، عدا عن مكالمات التعزية من الحكام العرب أبرزها من رئيس مصر السيسي، بالإضافة لزيارة دبلوماسية أردنية هي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات، كما قدمت تونس تعهداً بتعزيز العلاقات مع حكومة الأسد، ثم ما لبث بشار الأسد أن قام بجولة خارجية لسلطنة عمان وسط حفاوة وترحيب كبيرَيْنِ.

ومنذ السادس من شباط، يتسارع نمو علاقات نظام الأسد مع الدول العربية ويبدو أنه نجح في تحقيق تقدم ملموس لإعادة تأهيله في “المحيط العربي”. لذا يمثل الزلزال نقطة انعطاف هامة في التطبيع مع نظام الأسد، وتخفيف وطأة العقوبات المفروضة عليه.

• اللاجئون السوريون:

  • في تركيا: من الملاحظ ارتفاع حدّة التوتر بين الأتراك والسوريين المقيمين في مناطق جنوب تركيا، فعلى مدى الأيام الماضية من الكارثة قامت شخصيات سياسية معارضة بحملات تحريض على السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي اتهمتهم بتنفيذ أعمال نهب وسرقة في المناطق المنكوبة. وبالتالي فإن الكارثة التي يواجهها السوريون تبدو مضاعفة، فمن جهة: لدينا الوضع المادي المتردي بعد الزلزال، ومن جهة أخرى العنصرية التي تغذيها أحزاب المعارضة وما يترتب عليها من قرارات حكومية مجحفة قد تَصْدُرُ تحت ضغط هذه المعارضة، وهو غالباً ما دعا لفتح باب العودة إلى مناطق شمال سوريا.
  • في الشمال المحرر: مع فتح باب عودة السوريين المتضررين في تركيا إلى شمال سوريا (إلى الآن وصل أكثر من عشرين ألف سوري من تركيا لمناطق شمال غرب سوريا ومن المرجح ارتفاع الأعداد بشكل كبير) تشكِّل هذه العودة تحدياً اقتصادياً في الشمال المحرر على المدى المتوسط، حيث يرجح ارتفاع الاحتياجات الإنسانية وارتفاع نِسَبِ البطالة (المرتفعة أساساً بسبب آثار الحرب).

(من الخطط المقترحة لدمج اللاجئين بشكل مناسب، تسجيل بيانات وحِرَف العائدين، وبحث إمكانية توظيفها، والعمل على تشجيع المشاريع الصغير والمتوسطة ضمن برامج محددة مسبقاً).

المحرر (شمال غرب سوريا)

• في شمال غرب سوريا تزداد الأعباء الإنسانية بفعل الحرب وتبعاتها والزلزال وآثاره، ما يصنع ضغوطاً شديدةً على السلطات المحلية في مناطق شمال سوريا لضبط ارتفاع الأسعار ودعم السلع الأساسية وتعويض المتضررين، وهو ما يستدعي صرف مزيد من الطاقات والجهود ضمن الملف الإنساني والاقتصادي.

ألقى زلزال تركيا وسوريا الضوءَ على ارتباط الشمال المحرر بالاقتصاد التركي، فتعَرُّضُ المناطق المحررة لفقدان الكهرباء والوقود وبعض المواد الغذائية الضرورية وبعض الأدوية بسبب تأثير الكارثة على تركيا، كما يسلط الزلزال الضوء على الأخطار التي قد تنتج عن هذا الارتباط إذا تغيَّرت المواقف التركية.

القضية الأخرى التي سَلَّطَ الزلزالُ الضوءَ عليها هي البنية التحتية الضعيفة بفعل الحرب والإمكانات المتواضعة للسكان واستغلال بعض متعهدي البناء لهذه الظروف، فشُيِّدت البيوتُ بأقل التكاليف لكن دون أدنى مقومات السلامة، مما يستدعي إعادة النظر في التنظيم العمراني وشروط البناء السليم، وإحداث المؤسسات اللازمة وسن القوانين ذات الصلة في هذا الصدد.

تفرض تداعيات الكارثة الأخيرة التنبيه على أن المناطق المحررة لا تعيش تحت تهديد الحملات العسكرية فحسب، بل يمكن أن تصيبها أزمات كثيرة من نوع آخر، ولعل أهمَّ ما تفرضه المرحلة الآن إيجاد #إدارةخاصةبالأزمات كالكوارث الطبيعية أو الحملات العسكرية وغيرها، تُعنَى بـ:

(1) بالإعداد المسبق للكوارث والأزمات ووضع الخطط المناسبة لذلك.
(2) إدارة الطاقات والمؤسسات المختصة عند وقوع الأزمة، وهنا تَجْمَعُ بين عنصر الوقاية والعلاج مما يساهم في تقليل الخسائر.

يمكن أن تكون الخططُ المسبقةُ متنوعةً، مثل إعداد اللوائح التوجيهية لتوعية السكان والبرامج التدريبية لفرق الإنقاذ والمخزونات الإستراتيجية واقتناء المعدات والتقنيات المناسبة وما شابه ذلك.

مع ازدياد تدهور الحالة الإنسانية والاقتصادية، تبرز الحاجة الملحة والمستمرة لتحقيق التوحد الإداري والمؤسسي بين مناطق إدلب وغصن الزيتون ودرع الفرات، فاستمرار الفوضى في منطقة، يقوض التقدم والتطور في المنطقة الأخرى، ودون استغلال جميع الأراضي والموارد المتوفرة في كل المناطق لا يمكن أن نتحدث عن اكتفاء غذائي أو أمن اقتصادي.

في ظل اعتماد المحرر على استيراد المحروقات والأدوية والطحين والغذاء وغيرها من الخارج.. تبرز الحاجة لادخار مخزون إستراتيجي يكفي المناطق المحررة على الأقل لعدة أشهر، إلى حين انقضاء الأزمات التي قد تشهدها البلاد. بالإضافة إلى ضرورة تحفيز البدائل المحلية وتشجيعها.

عل الجانب الآخر، حقَّقَ الزلزالُ فرصةً للتعرف على مدى التلاحم الشعبي بين أهالي وقاطني المحرر وبين المحرر والسوريين في الخارج والتي كشفت عن تلاحم شعبي كبير يمكن الاعتماد عليه وتقويته لتجاوز أزمات كثيرة مقبلة.. (رغم أهمية عمل الفرق التطوعية والمساهمات الفردية في الداخل إلا أنها بحاجة لمزيدٍ من الاستثمار والتنظيم، وهو ما يمكن تداركه في المستقبل عبر التخطيط المسبق للكوارث).

كان الزلزال فرصة لكسر حالة العزلة الداخلية لمناطق الثورة مع المحيط الخارجي العربي والإسلامي والدولي.. وهو ما بدت بوادره جلية مع دخول الوفود الصحفية من شتى الدول إلى منطقة إدلب ومحيطها (ستة وثلاثون وفداً من أشهر الوكالات الإعلامية العالمية) ثم ما تلاه من حملات إغاثة شعبية تفوق التوقعات وتعزز التماسك الداخلي للمجتمع في الشمال المحرر، وتقلص فجوة الخلاف بين أطيافه.

يحمل الزلزال في طياته محناً كثيرةً ربما تَفُوقُ قدرةَ السوريين لكن لاشك أن هذه المحن تحمل في طياتها منحاً كثيرةً على المنظور القريب والبعيد. ليس فقط من الجانب الديني الشخصي، وإنما تتعداه لتعمَّ المجتمعَ والثورةَ بشكلٍ كاملٍ.

المقالة السابقة
ضُبَّاطُ الصَّفِ: قُوَةُ الجَيشِ الأَمْرِيكِيِّ الكُبْرَى وإِحْدَى أَكْبَرِ نِقَاطِ ضَعْفِ رُوسْيَا
المقالة التالية
وزيرة الجيشِ الأمريكيِّ ” كريستين ورموث”: خمسةُ دروسٍ مُستفادةٌ من النزاعِ الأوكرانيِّ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed