ربمَا يتعلمُ الروسُ من أخطاءِ حربِ أوكرانيا، لكن هل يتأقلمونَ في الميدانِ بالسرعةِ الكافيةِ؟

مقال للكاتب: ميك رايان – جنرال أسترالي متقاعد

ترجمة : مركز الخطابي للدراسات

ما زالت الأحداث في أوكرانيا مؤخرًا تظهر الطبيعة المتغيرة للحرب. بعد نجاحاتهم في معركة كييف ومعركة خاركيف، خسر الأوكرانيون مواقعهم في الشرق. وهذا مؤشر على تصميم الجيش الروسي على مواصلة حملته في أوكرانيا.

حقق الروس تقدمًا ثابتًا، وإن كان بطيئًا، في إدارة هجومهم في دونباس شرقًا. ربما تكون هذه التطورات التكتيكية جزءًا من تصميم عملياتي روسي لتطويقٍ أوسعٍ للمناطق التي ما زالت تحت السيطرة الأوكرانية.

لكن النجاحات الروسية في الشرق هي أيضًا مؤشرات على اتجاه آخر أكثر أهمية في هذه الحرب: فقد بدأ الروس يتعلمون من إخفاقاتهم السابقة. قبل شرح هذا بالتفصيل، من الضروري التوقف قليلًا لتحديد طريقة لمعرفة المواطن التي تعلم منها الروس.

هناك مبادئ للحرب:

تستخدم المنظمات العسكرية- بما في ذلك في روسيا والولايات المتحدة وأستراليا- مبادئ الحرب لتوجيه جنودها، وتطوير تكتيكات مشتركة، وتنظيم العمليات القتالية ودعم التشكيلات. في الواقع، تعبر هذه المبادئ عن ثوابت تمثل حقائق أساسية حول خوض الحروب الناجحة وشن الحملات والعمليات العسكرية.

في سياق هذا الاستكشاف لتعلم النهج الروسي، تبرز ثلاثةُ مبادئ للحرب على وجه الخصوص، وهي: اختيار الهدف، الحفاظ عليه، تركيز القوة. والتنسيق. في الحرب وفي أي عمل عسكري يجب أن يكون الهدف واضحًا ومفهومًا بشكل كافٍ، وفي حدود إمكانيات القوات المتاحة.

كانت الأهداف الأولية للحرب الروسية واسعة النطاق، ولم تأخذ بعين الاعتبار حصول أوكرانيا على مساعدات عسكرية غربية ضخمة. وسرعان ما أصبح واضحًا أن هذه الأهداف تتجاوز القدرة العسكرية الروسية. فقد خصص الروس جيشًا للغزو أصغر من الجيش الأوكراني نفسه، وفشلوا.

في الآونة الأخيرة، عزز الروس- كما برز في كلام كبار الضباط الروس- أهدافهم للتركيز على المحاور الشرقية. ولذا حولوا جُلَّ قواهم إلى هناك لمضاعفة فرصهم في تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية الأكثر إحكامًا. ويقودنا هذا إلى المبدأ الثاني للحرب، والذي تعلمته روسيا بوضوح.

كانَ على الروسِ أن يعيدوا تقييماتهم:

غالبًا ما يعتمدُ النجاحُ في الحرب على تحقيق تركيز القوة العسكرية في الوقت والمكان الأكثر فاعليةً. وبعد ذلك، ينبغي دعم هذا التركيز بجهود أخرى كالدعاية الإعلامية والعمليات الدبلوماسية لاستثمار تأثير القوة العسكرية المركزة بشكل أكثر فعَّالِيَّةٍ.

سعى الروس في وقت مبكر إلى خوض حربهم على أوكرانيا على أربع جبهات برية، في الشمال والشمال الشرقي والشرق والجنوب من البلاد. فيما تمثلت الجبهة الأخرى بالهجمات الجوية والصاروخية المنفصلة بشكلٍ واضحٍ عن العمليات البرية.

وتبعًا للإخفاقات حول كييف وخاركيف، كان على الروس إعادة تقييم هذا النهج، وقاموا بخطوات عدة:

أولاً، أعادوا تنظيم انتشار قواتهم بحيث بات عدد الجبهات التي عليهم دعمُها أقلَ.

ثانيًا، رَكَّزَ الروس عملياتهم الهجومية في جزء واحدٍ من البلاد- الشرق- بينما دافعوا إلى حدٍّ كبيرٍ عن أجزاء أخرى مثل الجنوب والشمال الشرقي.

تتركز قوة الروس القتالية في الشرق، وخاصة لوغانسك، بهدف شق طريقهم عبر الدفاعات الأوكرانية، وتدمير الوحدات العسكرية والمراكز السكانية، والاستيلاء على مساحات إضافية. لكن الانسحاب من مناطق أخرى، جعل قواتهم عرضة للخطر في جبهات مختلفة. وهكذا شن الأوكرانيون هجومًا مضادًا حول خيرسون.

معالجةُ الأخطاءِ المتعلقةِ بالتنسيقِ:

التعاون هو المبدأ الأخير من مبادئ الحرب، ويهدف إلى ضمان استخدام الموارد لتحقيق أفضل تأثير من خلال التنظيم الجيد والتخطيط الماكر للعمليات على كلِّ مستوىً.

في وقت مبكر من الحرب، بدا واضحًا ضُعفُ التنسيق بين القوات البرية الروسية والقوات الجوية. في الوقت نفسه، كان الضعف الروسي في عمليات الأسلحة المشتركة على الأرض- لمزامنة عمل المشاة والدبابات والمدفعية والمهندسين واللوجستيات- مؤشرًا آخر على خللٍ في مبدأ التعاون والتنسيق.

تظهر العمليات الأخيرة في الشرق استدراكًا لهذا الضعف والخلل، فقد تحسن معدل طلعات القوات الجوية الروسية، وباتت تركز الكثير من جهودها لدعم العمليات البرية هناك. كما تَحَسَّنَ التنسيقُ بين القوات البرية نفسها، حيث باتوا يتحركون ببطءٍ وحذرٍ، ويحسنون توظيف تفوقهم المدفعي جيدًا، مع الحرص على حماية قوافلهم اللوجستية.

وعلى المستوى الأعلى، عيّن الروس جنرالًا روسيًا كبيرًا كقائد عام للحملة الأوكرانية. صحيح أن النهج المتبع في الشرق يتسم بالوحشية المدمرة، لكن من المرجح أن يحقق الروس من خلاله نجاحاتٍ متتابعةٍ.

الحروبُ معركةٌ للتكيفِ:

يطرح هذا سؤالاً أكبر: ما هو تأثير هذا التعلم التكتيكي الروسي على مجمل إدارة الحرب؟ لقد ولَّدَ الروسُ زخمًا تكتيكيًا في الشرق، لكن مدى قدرتهم على المحافظة على تقدمهم الحالي سيعتمد على العامل اللوجستي لديهم، واستراتيجية أوكرانيا الدفاعية، وسير الهجمات الأوكرانية في أماكن أخرى والتي قد تشغل القوات الروسية عن الشرق.

وبالرغم من النجاحاتِ الروسيةِ الأخيرةِ، ما يزال التوازن الإستراتيجي العام في صالح أوكرانيا. إذ لديهم وفرةٌ في الاحتياط البشري، كما أظهروا قيادةً تكتيكيةً ومعنوياتٍ وتخطيطًا إستراتيجيًا أفضلَ من الروسِ.

ختامًا، فالتدفق الهائل للأسلحة الغربية، بما في ذلك المدفعية الصاروخية طويلة المدى والأسلحة الدقيقة، يمنح الأوكرانيين تفوقًا كبيرًا على الجيش الروسي، الذي تمنعه العقوباتُ الغربيةُ من الحصول على مثل هذه الأنظمة.

والحروب في مجملها وحقيقتها ما هي إلا سباقٌ للتعلم، والروسُ الآنَ يصارعون للتكيفِ مع المتغيرات الجديدة.

لقد أظهرت روسيا بعضَ القدرةِ على التعلم من أخطائها على المستوى التكتيكي، لكن قدرتها كدولةٍ على التعلم والتكيف مع الآثار الاقتصادية والدبلوماسية والمعلوماتية، وغيرها من الآثار المترتبة على إستراتيجيتها المعيبة لغزو أوكرانيا، ما تزال غيرَ واضحةٍ حتى الآنَ.

المقالة السابقة
مسيرة الحرب الروسية الأوكرانية: الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية “منذ انطلاق الحرب 24 فبراير – شباط حتى 20 يونيو – حزيران 2022”.
المقالة التالية
الرهان الخاسر: التطبيع الأردني مع الأسد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed