نيويورك تايمز – مقال رأي: المعركة من أجل كييف تلوح في الأفق كنزاع طويل ودامي

1 تعليق واحد

صحيفة نيويورك تايمز
ترجمة مركز الخطابي

عاصمة أوكرانيا هي أكبر جائزة على الإطلاق للجيش الروسي. إذا حاولت روسيا السيطرة عليها، فقد يؤدي ذلك إلى أحد أكبر معارك المدن منذ الحرب العالمية الثانية.

كييف، أوكرانيا – تغطي مدينة كييف 325 ميلاً مربعاً ويقسِّمُها نهر واسع. يوجد بها حوالي 500000 مبنىً – مصانع وكنائس مزخرفة ومبانٍ شاهقة – العديد منها في شوارع ضيقة ومتعرجة، بقي فيها ما يقرب من مليوني شخص بعد عملياتِ إجلاء واسعةِ النطاق للنساء والأطفال.

إلى الشمال الغربي والشرق، تضغط قوات روسية قوامها عشرات آلاف الجنود للتقدُّم باتجاه المدينة -عاصمة أوكرانيا- مدعومين بأرتال من الدبابات والمدرعات والمدفعية. داخل كييف، يقوم الجنود الأوكرانيون والمتطوعون المدنيون بتحصين وسط المدينة بالحواجز والألغام المضادة للدبابات والمدفعية.

لا تزال كييف أكبر جائزة على الإطلاق للجيش الروسي؛ ففيها مقر الحكومة ولها مكان متميِّز في الهوية الروسية والأوكرانية. لكن محللين عسكريين يقولون إن الاستيلاء عليها يتطلب صراعًا عنيفًا ودمويًا يمكن أن يكون أكبر معركة في مناطق حضرية في العالم منذ 80 عامًا.

قال ديفيد كيلكولين، المقدم المتقاعد في الجيش الأسترالي الذي درس القتال في المدن على نطاق واسع: “ما ننظر إليه في كييف سيقزِّم أي شيء رأيناه منذ الحرب العالمية الثانية”. قال عن القيادة الروسية: “إذا كانوا يريدون حقًا تسوية كييف بالأرض، فيمكنهم ذلك”. “لكن مستوى الضرر السياسي والاقتصادي المترتِّب على هذا سيكون هائلاً”.

على سبيل المثال، كانت إحدى أكبر المعارك الحضرية هذا القرن هي حصار الموصل في العراق الذي دام تسعة أشهر في عامي 2016 و2017 للإطاحة بتنظيم الدولة الإسلامية، وتغطي الموصل 70 ميلاً مربعاً وكان عدد سكانها في زمن الحرب حوالي 750.000 شخص – وهو جزء بسيط من الأرقام في كييف ـــ حيث كان عدد سكان المنطقة الحضرية قبل الحرب 3.6 مليون.

تتواصل المفاوضات حول وقف إطلاق النار، ولا يمكن تفادي معركة طويلة حامية الوطيس حول كييف. على الرغم من الأعداد المتفوقة وقوة النيران، لم تحقق روسيا أي تقدُّم كبير. قال مسؤول غربي، في إفادة للصحفيين الأسبوع الماضي، إن الروس تعرضوا لخسائر فادحة، ولم يتمكنوا من السيطرة على أي من الطرق الرئيسية، وحتى أنهم -بما يثير الدهشة – فشلوا في تحقيق الهيمنة في الجو.

لكن المراحل الأولى من المعركة بدأت بالفعل، مع قصف بصواريخ كروز وتحركات القوات الروسية لتطويق المدينة والعمل على لكسب التفوق الجوي. اندلعت اشتباكات شرسة من شارع إلى شارع شبيهة بحرب العصابات في الضواحي الشمالية الغربية مثل إيربين، وهي بوابة مهمة إلى المدينة، حيث يمكن أن تكون هذه الاشتباكات بداية حصار طويل مُطوَّل باستخدام الجوع والقتال في الشوارع للتقدم نحو وسط المدينة.

بعد ثلاثة أسابيع من القتال في الضواحي، أصبح الجنود والمتطوعون الأوكرانيون، الذين يعملون في وحدات صغيرة منظمة قليلة المركزية ويعتمدون بشكل كبير على الكمائن، أكثر ثقة في الدفاع عن المدينة. جزء من استراتيجيتهم هو جعل الهجوم مكلفًا للغاية بالنسبة للجيش الروسي في الأرواح لدرجة أنه سوف يستنفد أو يحبط معنويات قواته قبل أن يصلوا إلى وسط المدينة.

وقال الملازم تيتيانا تشورنوفول، قائد وحدة الصواريخ المضادة للدبابات العاملة في ضواحي المدينة: “لا يوجد حديث عن استسلام كييف”. “كل شيء يسير بشكل أفضل بكثير مما كنا نظن.”

الملازم شورنوفول، 42 سنة، ناشطة سابقة في حركة الاحتجاج في الشوارع في أوكرانيا، أرسلت طفليها إلى مكان آمن قبل أن تبلغ عن العمل كضابط احتياطي. تقود مجموعتين من خمسة أفراد أو نحو ذلك من كل مجموعة، يطلقون صواريخ أوكرانية الصنع، محمولة على حامل ثلاثي الأرجل، وينقلونها إلى مواقع الكمائن في سياراتهم الشخصية.

تقود الملازم تشورنوفول سيارة هاتشباك كهربائية حمراء من طراز تشيفي فولت، والتي تسمِّيها “آلة قتل نظيفة بيئيًا”.

في مقابلة بجانب مخزن بقالة محترق في بلدة بروفاري في الضواحي، قامت الملازم بفتح صندوق سيارتها ليظهر أنبوب بيج يحمل صاروخ ستنغا-بي يبلغ مداه ثلاثة أميال ويصيب هدفًا بقطر قدم واحدة.

وصفت الملازم شورنوفول، التي لم تبدو منزعجة من القتال، التكتيك الأوكراني المتمثل في نصب الكمائن الذي حدد المراحل الأولى من معركة العاصمة، قالت إنها دمَّرَت الأسبوع الماضي دبابة روسية على بعد أميال قليلة شرق بروفاري على الطريق السريع M01.

قالت الملازم شورنوفول: “نحن نبحث عن مواقع إطلاق نار حيث يمكننا الرصد على امتداد الطريق”، مضيفة “نعلم أن رتلاً سيسير على الطريق في النهاية”. وبينما كانت سيارتها متوقفة على مسافة بعيدة، مغطاة بالملابس المموهة، انتظرت هي ومجموعتها في صف من الأشجار لمدة ثلاثة أيام قبل أن يسمعوا هدير رتل روسي على الطريق.

عندما صدر الأمر بفتح النار، استخدمت الليزر لتغلق الخزان، وضغطت على زر، ثم شاهدت الدبابة مشتعلة بالنيران قبل أن تندفع عائدة إلى سيارتها هربًا من النيران المضادة. وعندما سئلت عن الخسائر البشرية قالت: “أنا أطلق النار على المدرعات”. “إذا صعدوا إلى الداخل، فهذا خطؤهم”.

تبيِّن التكتيكات التي تحدَّثت عنها الملازم شورنوفول إلى أن دفاعات المدينة تعتمد على مزيج من أنظمة الدفاع الجوي المتطورة وقوات الجيش والمتطوعين المدنيين والتنظيمات شبه العسكرية.

تلائم الكمائن والأشراك المفخخة المدافعين ذوي التسليح الخفيف في البيئة الحضرية شرط أن يتحركوا باستمرار أمام الجيش النظامي. وضع الأوكرانيون ألغامًا مضادة للدبابات بحجم الفطيرة على جوانب الطرق، بحيث يمكن جرها بسرعة الى وسط الشارع لمنع تقدم العدو. في المدن، تُلجِئ التقسيمات المدنية (شوارع، أبنية، ساحات…) المركبات المدرعة للغزاة إلى سلوك الشوارع الضيقة، حيث تصبح هدفاً سهلاً.

يتمتع الروس بقوة هائلة، لكن ذات طبيعة مختلفة إذ يعتمدون على أعداد القوات المتفوقة والأسلحة القوية، ولكنها أقل قدرة على الحركة.

على سبيل المثال، تتحرك الدبابات الروسية وفقاً لعقيدتها القتالية في أعمدة طويلة عبر البلدات الصغيرة خارج كييف، ونادرًا ما تبتعد عن الطرق، في بعض الأحيان، تتسبب المركبات في اختناقات مرورية هائلة.

قال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في CNA، وهو معهد أبحاث في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، إنه على الضفة الغربية لنهر دنيبر، يتقدم جنود ومركبات من جيشين متجحفلين كان مقرهما في سيبيريا – مصطلحات يستخدمها الجيش الروسي لتوصيف طريقة عمل القوات كبيرة الحجم – وقال إن وحدات القوات الخاصة الروسية، أو سبيتسناز، حولت ضاحية إيربين التي كانت هادئة في يوم من الأيام إلى منطقة قتال.

على الضفة الشرقية، يقوم الجيش 41 الروسي باستطلاع البلدات النائية مثل بروفاري، حيث فجرت الملازم تشورنوفول دبابة روسية.

قال كوفمان: لماذا يتقدم الروس بالدبابات إلى القسم الحضري في ضواحي كييف، حيث يكونون عرضة للكمائن، إنه لأمر غامض. وقال: “إنهم يحاولون إحراز تقدم سريع على الطرق بينما يحاول الأوكرانيون استجرارهم الى المدن، بدلاً من الخروج الى الأراضي المفتوحة”.

والوقت ليس في صالح الروس، فكييف محاطة بالمستنقعات، ويذوب الجليد الآن مع الربيع القادم يعرقل جهود الروس لنشر أسلحتهم الثقيلة حول محيط المدينة، أما الدبابات التي تغامر بالسير خارج الطرقات تغرق بالفعل في الوحل.

وقال كوفمان إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الجيش الروسي سيحاول شن هجومٍ كاملٍ على المدن، لكن التحركات حتى الآن تشير إلى خطط لتطويق كييف على الأقل.

سيتطلب ذلك كسب السيطرة في السماء، وهو ما حاولت روسيا تحقيقه دون جدوى. اشتبك طيارون أوكرانيون وروس في معارك جوية عنيفة حول كييف وسقطت طائرة روسية فوق أحد الأحياء. وفي بعض الأحيان، يمكن رؤية أعمدة دخان صواريخ أرض – جو الأوكرانية وهي ترتفع في السماء.

يقول محللون إن روسيا فشلت في السيطرة على سماء كييف، لأنها لم تدمر صواريخ الدفاع الجوي للمدينة أو جميع الممرات الجوية السرية في غرب أوكرانيا التي يستخدمها الطيارون الأوكرانيون في الرحلات الجوية للدفاع عن العاصمة.

في الليل في كييف، تسمع دوي اختراق الضربات الجوية للدفاع الجوي في سماء المنطقة، وفي الصباح، يمكن العثور على بقايا صواريخ كروز الروسية المحطمة وذات اللون الفضي والمعدنية، التي تُطلَق من الأراضي الروسية على بعد مئات الأميال، في مواقف السيارات والحدائق حول مدينة.

لقد بات القتال البري معركة شرسة لمدن الضواحي والطرق السريعة، حيث تم القتال في مناطق طبيعية ومناطق تغلب عليها المستودعات ومعارض السيارات وأحياء المنازل المكونة من طابق واحد والمجمعات السكنية على مشارف المدينة، والتي تتخللها مساحات من غابات الصنوبر.

في بلدة هورينكا، على بعد حوالي ميل واحد شمال كييف، على سبيل المثال، ما كانت ضاحية هادئة أصبح الآن ساحة دمار من القصف الروسي. الطرق مليئة بالحفر الناتجة عن قذائف الهاون وتناثرت أغصان الأشجار المقطوعة. وتسببت الشظايا في ثقب السيارات وتطاير الصفائح المعدنية في المنازل. احترق مستودع مترامي الأطراف لمتاجر التجزئة الفرنسية لتحسين المنزل والبستنة، ليروي ميرلين.

على جانب الطريق كان هناك أنبوبان فارغان يحملان صواريخ جافلين المضادة للدبابات الأمريكية، وقرأت العلامات المرسومة عليها. ” صواريخ هجوم أرضي موجهة”، أخذ الأوكرانيون يمزحون قائلين إنهم سيستخدمون هذه الأنابيب بعد الحرب لتخزين البطاطس.

قال الملازم أرتيوم بوليوخ، المهندس المعماري السابق الذي يعمل الآن في الجيش ويستخدم لقب الفنان: “قبل شهر، كان الناس يعيشون هنا، كانت مدينة عادية، أما الآن فهذا هو وضعنا”.

وعلى الرغم من النجاحات التكتيكية الأوكرانية في معركة الضواحي باستخدام وحدات صغيرة مثل فرق الكمين للملازم شورنوفول، فإن القوة الروسية لا تزال تمثل تهديدًا هائلاً، بحسب ديما أدامسكي، الخبيرة في السياسة الأمنية الروسية في جامعة رايشمان في إسرائيل.

المقالة السابقة
نيويورك تايمز – مقال رأي: الطائرات التركية المحلقة في سماء أوكرانيا غربان شؤم على روسيا
المقالة التالية
فايننشال تايمز – تقرير : كيف غيرت أخطاء روسيا والمقاومة الأوكرانية حرب بوتين

1 تعليق واحد. Leave new

  • الكل أخذ مقلب في هذه الحرب من الأوكران الموالين للغرب الذي خذلهم، إلى الروس الذين ظنوا أنهم سيقومون بعملية عسكرية سريعة وقليلة التكلفة. ما يمكن الإستفادة من هذه الحرب هو استخلاص التكتيكات الحربية والتنظيمية ودراسة كفاءة الأسلحة ومقارنتها ودور الأهالي في صد العدو… لأن الدور علينا نحن العرب والمسلمين عندما تحدث المواجهة مع الكيان الغاصب… وهذه الحرب ستكون أشد بكثير … الله المستعان

    رد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed