ميليشيا «فاطميون» هل تكون حزب الله الأفغاني؟

لا توجد تعليقات

مدخل:

عرض وزير الخارجية الإيرَانِي محمد جواد ظريف على حكومة الرئيس الأفغاني السابق “أشرف غني”، في ديسمبر/كانون الأول 2020، استخدام “فاطميون” الميليشيا الشِيعِيَة الأفَغَانِيَة المدعومة من إيران لمحاربة نفوذ تنظيم الدولة فيما يُسمى ولاية خراسان في أفغانستان. وقال ظريف في مقابلة مع صحيفة “تولوز نيوز”الأفَغَانِيَة، إن إيران مستعدةٌ لمساعدة الحكومة الأفَغَانِيَة على تجميع هَذِهِ القوات تحت قيادة الجيش الأفغاني “في الحرب ضد الإرهاب”. وأضاف ظريف أن بلاده “تدعم فاطميون في سوريا، لكن الرئيس الأسد هَوَ الَّذِي يتخذ قرارات عملياته وينفذها”، وبالمثل، فإنها “مستعدة لدعم هَذِهِ القوات تحت قيادة الحكومة الأفَغَانِيَة”.

من هم فاطميون؟

تعود جذور فاطميون و الميليشيات الأفَغَانِيَة بِشَكْلٍ عام إلى بداية الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980، عندما جَنَّدَ الحَرَس الثَّورِيّ الإيرَانِي مئاتِ المقاتلين الشِّيعَة الأفغان للقتال في صفوفه تحت اسم “لواء أبي ذر”، مستغلاً وجود نحو ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني على الأراضي الإيرانية منذ بداية الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1979، بحسب إحصائيات هيئة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين[1]، حَيْثُ دفع الفقر واليأس وانعدام الأمن في أفغانستان عدداً كبيراً من الأفغان على رأسهم أقلية الهزارة الشِّيعِيَّة[2] للفرار إلى إيران الَّتِي عرضت على هؤلاء اللاجئين وأسرهم دفع مبالغ مالية، مقابل الخدمة في صفوف الميليشيات المسلحة الَّتِي تقاتل إلى جانبها.

ومع انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية توجه بعض مقاتلي هَذِهِ الميليشيات إلى معسكرات حزب الله في لبنان، لينتقلوا لاحقاً إلى الفصائل الشِّيعِيَّة الأفَغَانِيَّة والَّتِي شكَّلت ما يُعرَف بحزب الوحدة الشيعي الأفغاني، قبل دخول المجاهدين الأفغان كابول في أبريل/نيسان 1992، وسقوط النظام الشيوعي فيها.[3]

في سوريا:

أنشأ «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيرَانِي، المسؤول عن العمليات الإيرانية الخارجية، عدداً من الجماعات الشِّيعِيَّة المسلحة مثل: فاطميون، وزينبيون، وحيدريون وأبو الفضل العباس…  والَّتِي تتألفُ من مقاتلين من أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا…. وكان جلهم يقاتل في ساحات قتالٍ مختلفةٍ في الشرق الأوسط، لكن ميليشيا “فاطميون” كانت الأكبر والأكثر تأثيراً في دعم نظام الأسد ثُمَّ الحوثيين في اليمن.[4]

فمع اشتداد القتال في سوريا نهاية عام 2012، بدأت «قوة القدس» التواصلَ مع سكان الهزارة الشِّيعَة داخل أفغانستان، وإقامة شبكاتِ تجنيدٍ في مقاطعات متعددة، بما في ذَلِكَ العاصمة كابول. وتَمَّ نقلُ المجندين تحت ستار رحلات الحج إلى الأضرحة المقدسة في سوريا والعراق، مستخدمين وكالات سفر لها صلات وثيقة بالسفارة الإيرانية في كابول.

وينقسمُ المقاتلون الشِّيعَةُ الأفغان في سوريا إلى عدة أقسام:

  1. لاجئين من الهزارة الشِّيعَة الَّذِينَ لجأوا إلى سوريا وسكنوا قرب حي السيدة زينب بدمشق خلال الحرب الأفَغَانِيَّة، وعددهم ربما يصل إلى ألفي شخص.
  2. قسم تَمَّ تجنيدهم في إيران، وهم الغالبية العظمى.
  3. قسم أتى من داخل أفغانستان.

وبحسب تقرير سابق لشبكة الجزيرة الإخبارية فإن “هُنَاكَ معسكرات تدريب مصغرة لمجندي “فاطميون” أقيمت في مزار الشريف بولاية بلخ المتاخمة لجمهورية أوزبكستان، ويَتُمُّ من خلالها غسل أدمغة المتدربين وإعدادهم للقتال ضد تنظيم الدولة، ومن ثُمَّ إرسالهم إلى سوريا”.[5] كما يدرب “الحَرَس الثَّورِيّ الإيرَانِي” و ”حزب الله” أفراد هَذِهِ الميليشيات المجندة في إيران بمعسكرات في “مشهد”، شمال شرقي إيران، ومن ثُمَّ يَتُمُّ نقلهم إلى سوريا إما برًا وإما جوًا من العراق، ويَتُمُّ اعتمادهم في قواعد عسكرية ومعسكرات داخل سوريا، مثل مطار “دمشق الدولي”، ومطار “التيفور”، وقاعدة “ازرع”، وقاعدة “السيدة زينب”، ومعسكر “الكسوة”، ومخيم “الزبداني”، ومخيم “القصير”. كما يَتُمُّ نشرهم في ساحات القتال، في جبهات اللاذقية وحماة وإدلب وحلب ودير الزور ودرعا.[6]

وتشيرُ التقديراتُ إلى أنه من عام  2013 إلى 2019، شاركَ نحو خمسين ألف مسلحٍ من فاطميين في القتال الدائر في سوريا، بينما قُدِّرَ عدد أفراد “فاطميون” بـعشرين ألف شخصٍ في ذروة النزاع وتكبدوا معدلَ إصاباتٍ مذهلٍ بلغ أكثر من خمسة آلافِ قتيلٍ وأربعة آلافِ جريحٍ. [7] وكان من بين القتلى الزعيمُ الأصلي للجماعة، علي رضا توسلي، الَّذِي قُتِلَ في معارك ضد جبهة النصرة في محافظة درعا جنوب سوريا.

وفي الحقيقة فإن العدد الإجمالي لمقاتلي فاطميين الَّذِينَ قاتلوا في سوريا غيرَ واضحٍ، وتتفاوتُ بواعثُ المجندين للقتال في سوريا، فبعضهم يندفعُ للقتالِ عقائدياً مع الحَرَسِ الثَّورِيِّ الإيرَانِي ضد معارضي الأسد؛ بينما يُشَكِّلُ المالُ وتصحيحُ الأوضاع القانونية داخل الأراضي الإيرانية دافعاً للبعض الآخر حَيْثُ يَصِلُ راتبُ القادة إلى ألفٍ وخمسِمئةِ دولارٍ شهرياً، مقابل خمسِمئةٍ إلى ثمانِمئةِ دولارٍ أميركي للعناصر،[1] مع منحِ إقامةٍ دائمةٍ على الأراضي الإيرانية وتعليمٍ مجاني لأطفال المجندين، وتأمينٍ صحي.

والجديرُ بالذكرِ أن بعض اللاجئين يتعرضُ للابتزاز بالإعادة إلى أفغانستان، في حال رفض القتال في سوريا لحماية المزارات الشِّيعِيَّة.[2] ومع ذَلِكَ، تقولُ الرواية الرسمية الإيرانية على لسان وزير الخارجية الإيرَانِي السابق “ظريف” إن إيران لم تجبرْ اللاجئين الأفغان على الذهاب إلى سوريا.[3]

ويعملُ فاطميون في سوريا كقوةٍ متنقلةٍ، وغالباً ما يستخدمُ كرأس حربة عندما يشتد أي صراع. كما يَتُمُّ نقل قواعدهم بِشَكْلٍ متكررٍ في جميع أنحاء سوريا للحفاظ على خفة الحركة. ويقعُ أبرزُ مقراتها على بعدِ أقلِ من كيلومتر واحدٍ من مطار دمشق الدولي، مما يُسهِّلُ على الجيش الإيرَانِي والميليشيات الإيرانية استقبالَ القوات والنقود والمعدات وتوفير طريقٍ للهروب إذا سقطت دمشق. وهناك ما يصل إلى ألفِ فردٍ يعملون في هَذِهِ القاعدة، ويجب أن يخضعوا جميعاً لفحصٍ أمني مكثف. وقد استُهدِفَ هَذَا المبنى عدة مراتٍ بغاراتٍ جويةٍ إسرائيلية.[4] وتشيرُ التقديرات إلى أن فاطميون لديها في الوقت الحاضر ستة ألوية نشطة في سوريا. كل لواء لديه أربع كتائب، وتتألف كل كتيبة من مئتين إلى مئتين وخمسين فرداً – وبالإضافة إلى هَذِهِ الألوية الستة، لدى فاطميون لواءٌ عسكري احتياطي تحتَ إشراف قائد الحَرَس الثَّورِيّ الإيرَانِي، إسماعيل قاآني.

وفي السنوات الأخيرة، تَمَّ نقلُ آلاف العائلات الشِّيعِيَّة الأفَغَانِيَّة لمقاتلين من فاطميين ووضعها في سوريا، ويجري إصدار جوازات سفرٍ سورية لهم، كما حصلوا على سكن مع أسرهم في سوريا. حَيْثُ أصبحَ هؤلاء الأعضاءُ مجندين عسكريين بِشَكْلٍ رئيسي. وهناك تقارير تفيد بأن الإيرانيين أرسلوا أيضاً فاطميين إلى اليمن وليبيا كمرتزقة لكسب المال من خدماتهم. بعد أن عززت هَذِهِ الميليشيات سيطرة الأسد على السلطة، بينما عاد بعضهم إلى إيران، وانتقل العديد منهم إلى أفغانستان.

وتحافظُ قوة فيلق القدس الإيرَانِي على اتصالٍ مع أولئك الموجودين في أفغانستان الَّذِينَ يمثلون قوةً احتياطيةً محتملةً يمكن لـ «الحَرَس الثَّورِيّ» استدعاءها مرةً أخرى في حال دخلت إيران في صراعٍ مع منافسٍ إقليمي رئيسي.[12]

فاطميون من الداخل:

في فبراير/شباط 2015، بعد عامين من تشكيل فاطميون، قُتِلَ قائدُ ومؤسسُ فاطميون “علي رضا توسلي” (المعروف أيضا باسم أبو حامد، وَهَوَ لاجئ أفغاني يعيش في إيران منذ الثمانينيات) في معارك جنوب سوريا في محافظة درعا. كما قُتِلَ جميعُ قادة فاطميين الرئيسيين تقريباً (منهم: سيد حكيم وحسين فيدي ورضا غفاري والسيد إبراهيم)، بين عامي 2015 – 2016.

ومنذ ذَلِكَ الحين، ظلَّ التسلسل الهرمي للجماعة في تغيرٍ مستمرٍ، فأصبح لدى فاطميين لاحقاً هيكلٌ قيادي مكون من سبعة أشخاص بدلاً من قائدٍ واحدٍ. وبعد استمرار استهداف قيادة فاطميين، قررت قيادة فيلق القدس الإيرَانِي تجنيدَ أشخاصٍ بهويات غامضة، بحكم أن العديد من الأفغان يولدون في إيران، فلا يمكن التأكد من هوية الأشخاص المختارين لقيادة فاطميون. وتحاول إيران على نحو متزايدٍ تعيين قادة غيرَ بارزين لجماعة فاطميين بسبب خشيتها من فقدان السيطرة على الجماعة.[13]

وبحسب مراقبين، فمن الملاحظِ أن مقتل القائد “توسلي” قد تسبب في انخفاض الروح المعنوية في صفوف “فاطميون”، فسعت إيران إلى تعيين المزيد من القادة بسرعةٍ، خصوصاً أولئك الأقل بروزاً، والذين يمكن التخلص منهم، ويَسهُلُ السيطرةُ عليهم، لمنع أي معارضةٍ داخلَ صفوف فاطميين.[14]

على الصعيد التنظيمي، يعكسُ هيكلُ لواءِ فاطميين نسخةً مكررةً من هيكل وقيادة فرق الجيش النظامي الإيرَانِي. مما يجعلُهَا بمنزلةِ الفرقةِ المساعدةِ للجيش الإيرَانِي لخدمة أهدافه العسكرية والإستراتيجية المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، وبينما يشاركُ «فيلق القدس» في الدعم الاستخباراتي واللوجستي، يُعْتَقَدُ أن قواتِ الباسيج[15]، تقودُ «فاطميون» ومختلف الجماعات الشِّيعِيَّة المسلحةِ.

ومن بين الوحدات الإيرانية الأخرى الَّتِي تدعمُ هَذِهِ الجماعاتِ، هُنَاكَ القواتُ الجويةُ التابعةُ للحرسِ الثوري الإيرَانِي، الَّتِي توفرُ قدرات القتال الجوي والصواريخ، وتدعمُ هَذِهِ الوحدات بصواريخ بالستية متوسطة المدى. وبالعموم يقدم الإيرانيون تدريباً عسكرياً متقدماً لميليشيا فاطميون، يشملُ استخدامَ نظام الدفاع الجوي المحمول.

هُنَاكَ ما يقربُ من عشرة مراكز لتدريب هَذِهِ الميليشيات في إيران، أربعةٌ منها في طهران، وأربعةٌ في مشهد واثنين في أصفهان. كما يَتُمُّ تدريب أفضل أفراد اللواء ودعمهم من قبل الجيش الروسي. وقد شُوهِدَ مقاتلو فاطميين يديرون مجموعةً واسعةً من الأسلحةِ السوفياتية القديمة، بما في ذَلِكَ المدفعية الميدانية وناقلات الجنود المدرعة والدبابات والصواريخ المضادة للدبابات. وعلى الأخص، لُوحِظَ أن فاطميين تعملُ في عدة مرات على تشغيل دبابات روسية متطورة من طراز T-90.[16]

إيران وفاطميون

ألقت إيرانُ في عام 2015، باللوم على إسرائيل في مقتل قائد ميليشيا فاطميون ” علي رضا توسلي” ومع ذَلِكَ، يعتقدُ بعضُ مقاتلي فاطميين أن فيلقَ الحرسِ اغتالَ قائدهم في غارةٍ بطائرة بدون طيارٍ لأنه أصبحَ مستقلا جداً، ويَنبُعُ هَذَا الاعتقادُ لدى بعض قيادات وأعضاء فاطميين بسبب سوء المعاملة الإيرانية لعدد من المقاتلين الأفغان بعد انتهاء جولاتهم السورية. وبالفعل يقولُ أحمد شجاع، الباحثُ الأفغاني في المعهد الأمريكي للسلام، الَّذِي أجرى مقابلاتٍ طويلةً مع مقاتلي فاطميين، أن الفوارق الطبقية والعرقية بين القادة الإيرانيين ومقاتلي فاطميين كانت ولاتزال واضحةً تماماً، كما أن وعود المكافآت مثل أوراق الجنسية، قد أصبحت نقطةً مؤلمةً بِشَكْلٍ خاصٍ، وفقاً للمقابلات الَّتِي أجريت مع مقاتلي فاطميون. ويقول آخر: “طالما أن الإيرانيين بحاجةٍ إليك، فأنت السيدُ… ولكن عندما ينتهون منك، فأنت “الحمارُ الأفغانيُّ”.

وطالما دأبَ «الحَرَس الثَّورِيّ» على نسج قصص البطولات وأسطورة الاستشهاد السائدة في روايات فاطميون من أجل جذب المؤيدين وتجنيد ونشر القوات في القتال، كما تُبرِزُ إسرائيلَ بِشَكْلٍ قوي في دعاية فاطميون كعدو رئيسي، بجانب السعودية والولايات المتحدة الراعيَينِ الحقيقيَينِ لتنظيم الدولة وفق الرواية الإيرانية. وبالنسبة لإيران، تلعبُ هَذِهِ الروايةُ دوراً حاسماً في إستراتيجيتها لسيطرتها على الوكلاء، وتُساعِدُ هَذِهِ الروايةُ على تبرير أفعال النظام الإيراني في المنطقة، وحشدِ مجموعاتٍ محددةٍ للعمل دفاعاً عن إيران.[17]

 ومن الروايات القوية الَّتِي استخدمتها إيرانُ بِشَكْلٍ خاصٍ؛ أن المقاتلين يذهبون إلى سوريا لحماية “زينب من السبي مرةً أخرى” و”لحماية المزارات الشِّيعِيَّةِ المقدسةِ من هجمات المتطرفين السنة”. وعلى الرغم من أن دعمَ الأسد قد شكلَ غالباً ردود فعل سلبية في الأوساط الشِّيعِيَّة في بداية الأحداث السورية، إلا أن إيران استطاعت تجنيدَ عدد لا بأسَ به من المقاتلين الشِيعَة، حتى الوقت الَذِي جاء فيه إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية» الخلافة في عام 2014 ليغذي رواية «الحَرَس الثَورِيّ» الإيرَانِي عن الدفاع عن الشِيعَة.

ومع تصاعد العمليات الَّتِي طالت الشِّيعَةَ على وجه الخصوص، كهجوم تنظيم الدولة على قاعدة سبايكر الجوية الشهير في حزيران / يونيو 2014م، حَيْثُ أسر التنظيم ما يزيدُ عن ألفي جندي عراقي غالبيتهم من الشِّيعَة، وقاموا بقتلهم هُنَاكَ وفي مناطق أخرى رمياً بالرصاص ودفنوا بعضًا منهم وهم أحياء. قامت وكالات الأنباء المرتبطة بالحَرَس الثَورِيّ الإيرَانِي وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للحرس الثوري الإيرَانِي على تيليجرام بنشرِ مقاطع فيديو لعمليات القتل والذبح الَتِي وثقها التنظيمُ بنفسه على العلن، الأمرُ الَذِي انعكسَ إيجاباً على التأييد الإيرَانِي الشعبي بأغلبية ساحقةٍ للحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق، حتى وصلَ عددُ الميليشيات الإيرانية إلى ذروته (أكثر من عشرين ألف شخص) في سوريا بين عامي 2013 – 2017. [18]

فاطميون، والعودة إلى أفغانستان؟

في ظل عودة الآلاف من لواء “فاطميون” إلى أفغانستان، لم تحظر الحكومةُ الأفَغَانِيَّةُ السابقة ميليشيا “فاطميون”، وتقدر أوساط أفغانية أن قرابة الثلاثة آلاف مقاتلٍ من فاطميين قد عادوا إلى أفغانستان. وانتشروا في أجزاء مختلفةٍ من البلاد من دون قيادة مركزية.[19]

اليومَ وبعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان من جديد، برزت مسألة العلاقات الإيرانية – الأفَغَانِيَّة، فلطالما كانت العلاقة التاريخية بين الطرفين عدائية[20] خصوصاً مع دعم النظام الإيرَانِي لقادة الطاجيك والشيعة الهزارة المناهضين لطالبان.

وتنظُرُ طالبانُ إلى فاطميون على أنها مجرد أداة إيرانية قد تُستخدَمُ ضدَّها في المستقبل القريب، فالماضي والحاضر يثبتُ استخدامَ النظام الإيرَانِي للأقليات الشِّيعِيَّة كوكلاء لتحقيق أهدافه في الشرق الأوسط، كما هَوَ الحالُ مع ميليشيا “حزب الله” في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن، وعشرات الميليشيات الشِيعِيَة في العراق وسوريا، وتعتبرُ ميليشيا “فاطميون” واحدةً من هؤلاء الوكلاء، الَذِينَ طالما تَمَّ نشرهم للدفاع عن المصالحِ الإيرانية في المنطقة.  وبحكم الأهمية الكبيرة لأفغانستان بالنسبة لإيران فإن المصالح الإيرانية هُنَاكَ ليست أقلَ من أن تتمَّ رعايتها من طرف ميليشيات شيعية تدين بالولاء للنظام الإيرَانِي، وبالطبع فليس هُنَاكَ أفضلُ من “فاطميون” بحكم جذورها الأفَغَانِيَّة، وباعتبارها واحدة من الجماعات الشِّيعِيَّة الَّتِي تعمل على أيديولوجية “التشدد الشيعي”، وأيضاً لتجربة وخبرة هَذِهِ الميليشيات في الصراعات الأخيرة خصوصاً في سوريا، وربما تستعدُ فاطميون لتصبح حزب الله الأفغاني لحروبِ طهرانَ بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً مع تصاعد نشاط تنظيم الدولة في أفغانستان، الَّذِي يشكلُ ذريعةً للتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية.

وفي الواقع فإن تصريحات ظريف السابقة تغذي هَذِهِ المخاوفَ، خصوصاً وأن الإستراتيجية الإيرانية التوسعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط تعتمدُ على شبكةٍ كبيرةٍ من الميليشيات الموالية لها، ويقولُ “أليكس فاتانكا” مديرُ برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن[1] إن “ذَلِكَ جعلَ جيران إيران يشعرونَ بالتوتر إذا تمكنت إيران من القيام بذلك في سوريا، فيمكنها تكرار النموذج نفسه في أماكن آخرى”، وقد تكونُ أفغانستانُ هي التالية.

وفي الوقت الَّذِي لم تعلن إيران عن سياسة محددةٍ تجاه قوات فاطميون في أفغانستان، تتواتر المعلومات عن بدأ الهزارة وغيرهم من الجماعات العرقية في أفغانستان بحمل السلاح وتشكيل ميليشيات مناهضةٍ لحكم طالبان، ويمكنُ القول إن احتمالات استخدام إيران للميليشيات الشِّيعِيَّة في أفغانستان قد يعودُ إلى عدة أسباب أبرزها:

  • تدهور الوضع الأمني هُنَاكَ مع نشاط تنظيم الدولة المتصاعد بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
  • إذا عادت العلاقات الطالبانية – الإيرانية للتدهور كما في الماضي، فإن طهران حريصةٌ على أن يكون لها موقف احتياطي.
  • قلق إيران من اقتراب طالبان من الولايات المتحدة.
  • أخذ الصراع الأفغاني منحى طائفي.

وبِشَكْلٍ خاصٍ، ترتفعُ فرص التدخل الإيرَانِي في أفغانستان مع ارتفاعِ خطرِ تحول الصراع الأفغاني إلى صراع طائفي، حَيْثُ صَعَدَ تنظيمُ «الدولة الإسلامية» من هجماته ضد الشِّيعَة الأفغان الَّذِينَ يمثلون ثالثَ أكبرِ جماعة عرقية في أفغانستان (من عشرة إلى خمسة عشر من سكان الدولة ذات الأغلبية السنية). ولعل عرض وزير الخارجية الإيرَانِي السابق “ظريف” بإدخال فاطميون إلى أفغانستان للقتال ضد تنظيم الدولة، يشكلُ رسالةً واضحةً لحكام أفغانستان الجددِ “الطالبان” أن فاطميين تبقى ورقةً مطروحةً لحماية المصالح الإيرانية داخل أفغانستان.

ومما تجدر الإشارة إليه أن “إسماعيل قآاني”، الَّذِي خلف سليماني في قيادة فيلق القدس الإيرَانِي “ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيرَانِي”، يُعتبَرُ ذو باعٍ طويل مع الصراع الأفغاني. ففي الثمانينيات، قاد قآاني أنشطة «الحَرَس الثَّورِيّ» في أفغانستان. وفي التسعينيات، شارك قآاني في تقديم الدعم اللوجستي والمالي والعسكري للتحالف الشمالي، الَذِي كان يقاتل طالبان. ويُعتقَدُ أن قاآني كان يشرفُ شخصياً على تنظيم فاطميون في سوريا وإيران.[21] كما قامَ برحلةٍ غامضةٍ إلى أفغانستان عام 2018، وَهَوَ العام الَّذِي بدأ فيه «الحَرَس الثَورِيّ» باستدعاء مقاتلي فاطميون إلى إيران بحسب بعض الروايات[22].

مستقبلُ فاطميون:

قد لا تشكل فاطميون حالياً تهديداً مباشراً لأفغانستان. لكنها في الوقت ذاته تشكل تهديداً طويل الأجل لأفغانستان، وعلى المدى الطويل، يمكن لإيران أن تجمع بين قوتها الناعمة[24] ونفوذها – وهدفها العسكري، من خلال فاطميون في أفغانستان.

لقد تميزت الحكومةُ الإيرانية بتدخلها داخل الأراضي الأفغانية بِشَكْلٍ رئيسي عبر جدول أعمال مؤيد للشيعة، والَّذِي يتحقق بِشَكْلٍ رئيسي من خلال استثماراتها في المؤسسات التعليمية والثقافية مع الحكومات الأفَغَانِيَّة السابقة، فقد ظلت إيران تبني وتدعم المدارس والمساجد والمراكز الإعلامية الموالية لإيران. ويتركزُ الكثير من هَذَا النشاط في شمال وغرب أفغانستان، بالإضافة إلى كابول.

وتلقت المدارس الأفَغَانِيَّة آلاف الكتب الإيرانية، وتبني كثير منها قيم الجمهورية الإيرانية، وأيضاً عملت إيران على تجنيد الدعاة والملالي الشِّيعَة بِشَكْلٍ رئيسي من المناطق الريفية، وهؤلاء الأفراد أصبحوا يشاركون في الدعوة إلى تعزيز المصالح الإيرانية في أفغانستان.[25]

وفيما يبدو حتى الآن فإن الإيرانيين لا يَتَبِعون سياسةَ تجنيد جماعي للمسلحين الشِّيعَة الأفغان لأغراضهم العسكرية. وحتى لو استخدمت إيران وكلاء أفغان لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية، فإنها غالباً لن تستخدم “فاطميون” علناً في المدى القريب، وذَلِكَ حتى لا تفقدَ تلك القوة الناعمة والَّتِي تشكل هدفاً استراتيجياً طويل الأجل.[26] وتستدعي هَذِهِ الخطة الإبقاء على عناصر “فاطميون” في المجتمع الأفغاني جاهزةً ومستعدةً لأي خططٍ مستقبليةٍ. ومن خلال هَذِهِ اللعبةِ الَّتِي تلعبها إيران “القوة الناعمة”، فإن الرسالة الاستراتيجية للإيرانيين هي: “الهزارة والشيعة المضطهدون في أفغانستان”، وذَلِكَ بغيةَ تحقيق أكبر قدر من الامتيازات الداخلية عبر تقديم المساعدات للمجتمع الشيعي الأفغاني والتغلغل داخله.

وعلى غرار الإيرانيين، فلدى الروسِ أيضاً حساباتهم الخاصة بالمنطقة ومن المرجح أنهم لا يمانعون استخدامَ وكلاء مثل فاطميون لمواجهة التهديدات الَّتِي قد تشكلها حركة طالبان، أو تنظيم “الدولة في خراسان”، بطريقةٍ مماثلةٍ للقوات شبه العسكرية الأخرى المدعومة من روسيا كوحدات “فاغنر”.[27]

ختاماً، تُشَكِّلُ حكومةُ طالبانَ الجديدةِ ذات الفكر السني، والمستقلة عن النفوذ الإيرَانِي قلقاً سياسياً استراتيجياً على تركيبة النظام الإيرَانِي. وبالتأكيد فإن إيران لن تقفَ مكتوفةَ الأيدي تجاه الخطر المحدق، لكنها غالباً لن تستعجل المواجهة مع طالبان خصوصاً بظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها والمتعلقة ببرنامجها النووي، وَهَوَ ما يُفَسِّرُ وجود عدة اتجاهات داخل الأوساط الرسمية الإيرانية تجاه حكام أفغانستان الجدد، فيرى بعضهم أن طالبان طردت الولايات المتحدة “العدو اللدود” من أفغانستان، وبالتالي فإن لها مواقف مماثلة لمواقف إيران ضد الغطرسة العالمية وهَذَا ما لا يمنع من التعامل معها.

بينما يرى البعض الآخر أن طالبان ليست سوى جماعةٍ جهاديةٍ سنيةٍ معاديةٍ للمذهب الشيعي، وأنه لا ينبغي التعاملُ معها بما يعزز احتكارها للسلطة في أفغانستان. ويرى هؤلاء أنه يجب إقامة قوة متوازنة في أفغانستان تتوافق مع أمن إيران وبمشاركة الشِّيعَة الهزارة والطاجيك والناطقين بالفارسية وغيرها من الأقليات.

ولتسوية هَذِهِ القضايا الخلافية، وفي سبيل ترتيب الحفاظ على تواصلٍ وتغللٍ ثقافي مع الشِّيعَة الأفغان، فإن طهران ستحاولُ اعتمادَ دبلوماسية تفاوضية مع حكومة طالبان في الوقت الحالي على أقلِ تقديرٍ. ولكن ما هَوَ مؤكدٌ فإنه وفى حال قررت إيران التصعيد ضد الحركة، فإن أفضل خيارٍ لها هَوَ استخدامُ لواء فاطميون.

المصادر:

  • فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)
  • Soleimani’s Shadow: VI. Spinning the Fatemiyoun: Raising an Army of Disposable Afghan Diaspora Online (newamerica.org)
  • فيلق “فاطميون” الأفغاني: رأس حربة إيرانية | Al Jazeera Center for Studies
  • Iran’s Afghan Shiite Fighters in Syria | The Washington Institute
  • عودة مقاتلي الميليشيات الموالية لإيران إلى أفغانستان تؤجج المخاوف في كابول وواشنطن (rferl.org)
  • ما هَوَ فاطميون ولماذا يجعل طالبان متوترة؟ (pbs.org)
  • اقتراح إيران باستخدام المقاتلين الشِّيعَة في أفغانستان يعتبر محفوفا بالمخاطر (voanews.com)
  • لواء فاطميون الشيعي: ميليشيا إيران العميلة المحتملة في أفغانستان – جيمس تاون (jamestown.org)

النفوذ الإيرَانِي في أفغانستان: الآثار المُترتبة على انسحاب الولايات المتحدة (rand.org)


[1] صحيفة كيهان الفارسية المقربة من خامنئي تقول أن المدعو “علي رضا توسلي” يُعَدُّ مؤسس ميليشيا “فاطميون” مع 25 من رفاقه، وذَلِكَ بعد أن لجأ إلى إيران إثر الحرب الأفَغَانِيَّة عام 1984، وأسهم بتشكيل لواء أبي ذر التابع للحرس الثوري الإيرَانِي، وشارك في الحرب العراقية-الإيرانية بنفسه قائدًا للواء، كما شارك في قتال حركة طالبان الأفَغَانِيَّة في التسعينات بعد أن وضعت الحرب العراقية – الإيرانية أوزارها، ثُمَّ ذهب إلى لبنان للقتال هُنَاكَ مع حزب الله.

[2] يُشكِّلً الهزارة حالياً ما بين تسعة إلى عشرة في المئة من إجمالي سكان أفغانستان البالغ عددهم 38 مليون نسمة.

[3] فيلق “فاطميون” الأفغاني: رأس حربة إيرانية  | Al Jazeera Center for Studies

[4] جيش فاطميون: الصليبيون الأفغان الإيرانيون في سوريا – الدبلوماسي (thediplomat.com)

[5] فيلق “فاطميون” الأفغاني: رأس حربة إيرانية | Al Jazeera Center for Studies

[6] صندوق حقائق: النفوذ الإيرَانِي والوجود الإيرَانِي في سوريا – المجلس الأطلسي (atlanticcouncil.org)

[7]فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)

[8] جيش فاطميون: الصليبيون الأفغان الإيرانيون في سوريا – الدبلوماسي (thediplomat.com)

[9] أفادت “هيومن رايتس ووتش” بأن الحَرَس الثَّورِيّ الإيرَانِي جند آلاف الأفغان غير الشرعيين الَّذِينَ يعيشون في إيران -وبعضهم دون سن أربعة عشر عاماً- للقتال في سوريا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على الأقل. وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن إيران قدمت حوافزَ للمجندين الأفغان الَّذِينَ يعيشون في إيران، لكنها هددتهم أيضاً بالترحيل إذا رفضوا القتال في سوريا.

[10] اقتراح إيران باستخدام المقاتلين الشِّيعَة في أفغانستان يعتبر محفوفاً بالمخاطر (voanews.com)

[11] فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)

[12]جيش فاطميون: الصليبيون الأفغان الإيرانيون في سوريا – الدبلوماسي (thediplomat.com)

[13] فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)

[14] فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)

[15] “الباسيج” مليشيا عقائدية مسلحة إيرانية؛ تضم ملايين المتطوعين وممولةٌ مباشرةً من الدولة، وتعتبر من الكيانات الأكثر تأثيراً في الحياة السياسية والأمنية والمجتمعية بإيران، كما تُعَدُّ أداةً عسكريةً لحماية مصالح نظامها السياسي داخلياً وخارجياً.

[16] فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)

[17] فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)

[18] ظل سليماني (newamerica.org)

 [19] تصريح سابق لرحمة الله نبيل، رئيس وكالة الاستخبارات الأفَغَانِيَّة في الفترة من 2010 إلى 2012 ومن 2013 إلى 2015، في مقابلة مع إذاعة أوروبا الحرة في فبراير/شباط 2020 – ما هَوَ فاطميون ولماذا يجعل طالبان متوترة؟ (pbs.org)

[20] في أثناء حكم طالبان لأفغانستان (1996-2001) شهدت علاقةُ الطرفين خلافاتٍ كثيرةً بينهما، وكانت المحطة الأبرز في هَذِهِ العلاقة مقتل العشرات من مقاتلي طالبان عام 1998 في مدينة مزار شريف شمالي أفغانستان على يد قوات (حلف الشمال) الَّتِي كانت إيران من أبرز داعميها. وكان رد قوات طالبان شن حملة على المدينة الَّتِي يعتبر معظم سكانها من الشِّيعَة والاستيلاء عليها، إضافة لمهاجمة القنصلية الإيرانية هُنَاكَ الَّتِي قتل فيها 8 دبلوماسيين وصحفي إيراني، وأصبحت إيران على شفا حربٍ مع طالبان.

[21] اقتراح إيران باستخدام المقاتلين الشِّيعَة في أفغانستان يعتبر محفوفاً بالمخاطر (voanews.com)

[22] عودة مقاتلي الميليشيات الموالية لإيران إلى أفغانستان تؤجج المخاوف في كابول وواشنطن (rferl.org)

[23] Soleimani’s Shadow: Executive Summary (newamerica.org)

[24] تضم أفغانستان حوالي مئة جامعة، والأفضل منها إما برعاية إيرانية أو لديها هيئة تدريس ومناهج دراسية مقرها إيران. هُنَاكَ بعض الجامعات في أفغانستان حَيْثُ يَتُمُّ تقديم نموذج دقيق للتعليم الديني والحديث الإيرَانِي للطلاب. ورسالتهم إلى الأفغان هي أنه “بما أن السنة فشلوا في حماية العالم الإسلامي، فإننا، من ناحية أخرى، القوة لحمايتك”. كما يقولون: “لقد طردنا الأميركيين من العراق. نحن نحمي سوريا وفلسطين ولبنان، ونقاتل في اليمن. لذلك، نحن في وضع جيد لحماية العالم الإسلامي بأسره”.

[25] النفوذ الإيرَانِي في أفغانستان: الآثار المُترتبة على انسحاب الولايات المتحدة (rand.org)

[26] فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)

[27] فاطميون: “طالبان الجيدة” في إيران | تولونز (tolonews.com)

المقالة السابقة
أبرز الأحداث العالمية خلال عام 2021
المقالة التالية
درعا بين تسويتين – تقرير تحليلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed