- المصدر: نيويورك تايمز – 17 يونيو، حزيران 2023
- ترجمة: مركز الخطابي للدراسات
كسبت روسيا الأرض بداية الحرب بالقوة النارية المحضة، ووجدْتُ من لقاءاتي بسبعة عشر عسكرياً أوكرانياً وأسير حرب روسي، وضباطاً ومقاتلين أجانب وضباطاً غربيين، ومن مراجعتي لوثائق ومرئيات، أن مكاسب الكرملين الأخيرة وخصوصاً في باخموت، جاءت نتيجة لسلسلة من التعديلات.
فمثلاً، لم تعد أرتال المدرعات الروسية تندفع إلى مناطق يمكن أن تلقى فيها الإعطاب أو التدمير السريع، وباتت القوات أكثر استخداماً للمسيرات ووسائل الاستطلاع الهجومية -بل إنهم يكتفون بالصراخ أحياناً- حتى يكتشفوا خنادق الأوكرانيين قبل ضربها. كما أبدت مجموعة مرتزقة فاغنر القدرة على تجاوز المدافعين الأوكرانيين بمزيج من التكتيكات المُحسَّنة والتضحية ببعض الصفوف.
بدأت أوكرانيا هجومها المضاد الذي طال انتظاره، مُسلَّحَةً جيداً، ومدعومة بتكنولوجيا اتصالات محسنة وأسلحة أمريكية وأوروبية. لكن قوات موسكو حسنت من دفاعاتها ومن تنسيق المدفعية والدعم الجوي، وأطلقت حملة قد تبدو مختلفة تماماً عن الأيام الأولى للحرب. ويقول مسؤولون غربيون: إن هذه التحسينات ستجعل روسيا على الأرجح عدوَّاً أشدَّ مراساً، خاصة وأنها تقاتل في موقع المُدافِع، وتعمل على تعزيز نقاط قوتها في ساحة المعركة، هذا التحول الدفاعي بعيد كل البعد عن خطة روسيا الأولية بغزو واسع النطاق.
ماتزال القدرات العسكرية الروسية متفاوتة على طول خط المواجهة الذي يبلغ حوالي ستمئة ميل، وبات السجناء جزءاً من عملياتها، بعد أن برزوا جلياً في معركة باخموت، على الرغم من افتقارهم إلى التدريب، إن اعتماد الكرملين المتزايد على طائرات “الكاميكازي” بدون طيار أو القنابل المنزلقة التي تُلقى من الجو يأتي نتيجة للنقص في الذخيرة ولتحوُّل إستراتيجي.
قال غراف، قائد وحدة الطائرات بدون طيار الأوكرانية: «إنهم يحاولون العثور على مراكز القيادة الخلفية للسرايا والألوية وتدميرها من مسافة بعيدة لتعطيل الاتصال بين الوحدات قدر الإمكان»، حُيِّدَت أغلب القوات الجوية الروسية منذ بداية الغزو، وقد كيَّفَت تكتيكاتها وذخائرها، بما في ذلك القنابل المنزلقة، لمهاجمة القوات الأوكرانية دون المخاطرة بطائراتها.
يعترف المسؤولون الأمريكيون بأن التكتيكات الروسية قد تحسنت. لكنهم يعتقدون، استناداً إلى تقارير استخباراتية في ساحة المعركة، أن النجاح في باخموت يرجع لاستعداد فاغنر الزَّج بالسجناء في القتال، دون مبالاة بالتكلفة في الأرواح.
لكن الجنود على الأرض رأوا شيئا آخر يحدث:
وصف الجنود الذين يقاتلون من أجل أوكرانيا في باخموت أنها معركة انتهت بشكل مختلف تماماً عن الطريقة التي بدأت بها، فلم يكن السجناء منتشرين، بل إن مقاتلي فاغنر المحترفين نسقوا نيران الأرض والمدفعية على المواقع الأوكرانية، ثم سرعان ما طوَّقتها مجموعاتهم الصغيرة.
وعندما تقلصت منطقة السيطرة الأوكرانية لتقتصر على قلة من المباني، صبَّت القوات الروسية أحد هذه المباني بحمم قذائف المدفعية، وبعد لحظات من انسحاب الأوكرانيين، كانت القوات الروسية في الداخل.
قال جندي أجنبي: «الأوكرانيون لم يتمكنوا من مواكبة ذلك» ولمواجهة إستراتيجية روسيا، لغَّمَت أوكرانيا المباني لتفجيرها عند تراجعها.
ألمح تقرير مهمة آذار الذي نشرته صحيفة التايمز إلى هذا النوع من العمليات: “إذا كُنْتَ أحد أفراد فاغنر فهذا يعني أنك مُدرَّب جيداً”.
وتابع التقرير: “استخدمت فاغنر النار والمناورة الفعالة”، ووصفهم بأنهم “أفضل الجنود الروس تجهيزاً”.
لكن هذه البسالة التي أبدتها فاغنر في منطقة واحدة لم تنتشر على نطاق واسع، ويقول المسؤولون الأمريكيون إنه رغم أن روسيا كيَّفَت تكتيكاتها، إلا أن قواتها بشكل عام لا تتطور.
قُتِل معظم الجنود الروس ذوي الخبرة في بداية الحرب، ويسعى أولئك الذين يقاتلون اليوم، بما في ذلك القوات الأقل تدريباً التي حُشِدَت مؤخراً، للقيام بعمليات هجومية وتنسيق تحركات الوحدات العسكرية الكبيرة. والدبابات الروسية، التي تكبَّدت خسائر كبيرة طوال عام 2022، كثيراً ما تُبعَد الآن عن خط المواجهة لاستخدامها كنوع من المدفعية.
قال جراف: “ليس لديهم ما يكفي من الدبابات في الوقت الحالي”، ليس لديهم ما يكفي من قطع المدفعية لإطلاق وابل من النيران”.
يمكن رؤية التغيير في التكتيكات الروسية من مشاهدات الطائرات بدون طيار ومن داخل الخنادق الأوكرانية.
وبالقرب من بلدة سفاتوف الشرقية التي تحتلها روسيا قال رسلان زوبارييف وهو جندي أوكراني إن الروس استخدموا التكتيكات التي كتبوها في كراساتهم في محاولة لاختراق خط الخنادق في فبراير شباط.
وقال: “لقد غيروا تكتيكاتهم في الأشهر الستة الماضية”، واصفاً هجومهم بأنه اعتمد على درجة معينة من الإستراتيجية وليس على القوة الغاشمة فقط.
لمدة أربعة أيام، أحرق القصف الروسي أوراق الشجر العلوية للكشف عن المواقع الأوكرانية، ثم تقدموا بعد ذلك بحاملة جنود مدرعة يحيط بها نحو عشرة جنود.
ولكن في إشارة إلى حدود التحسينات التكتيكية، قال زوبارييف إن الروس ليس لديهم ما يكفي من المعلومات الاستخباراتية حول مواقع الخنادق الأوكرانية، وفي المعركة التي تلت ذلك، والتي التقطها بالفيديو، تمكن زوبارييف (21 عاما) من وقف الهجوم الروسي بمفرده تقريباً.
قال: “لقد فعلوا كل شيء على أكمل وجه، لكنهم أخفقوا في نقطة مهمة، فليس لديهم معلومات كافية، كما هو الحال دوماً”.
وحول بلدة كريمينا الشرقية حيث تحصنت القوات الروسية بعد صدها في شمال شرق البلدة في شهر أيلول، يتناوب الجانبان على شن عمليات هجومية صغيرة.
وقال جراف: “يحاول الجانبان أن يثبتا للعدو أننا سنتقدم الآن، لكن لا أحد يعرف من سيفعل ذلك، أو أين”.
استولت أوكرانيا على أراضٍ مرتفعة رئيسية حول باخموت في الأيام الأخيرة. وتتكبَّد القوات الروسية خسائر في محاولة للدفاع عن المدينة المنخفضة كما لو كانت قعر إناء. ولجأت القوات الروسية إلى سجناء سابقين، وهو تكتيك استخدمته فاغنر لأول مرة، لحفر الخنادق، وفقا لجندي روسي أُسِر مؤخراً وكان سجيناً سابقاً.
وقال جنود أوكرانيون إن الخنادق الروسية أثبتت في كثير من الأحيان أنها أفضل إعداداً من نظيراتها الأوكرانية. وقال تقرير المهمة في مارس آذار إن المخابئ تشبه “ثقوب العنكبوت على غرار فيتنام، وعميقة لدرجة أنه لا يمكن اكتشافها بواسطة طائرة بدون طيار”.
وقال مسؤول أميركي إن مثل هذه المواقف الدفاعية ستشكل تحديات هائلة، ومن السابق لأوانه الحكم على استطاعة أوكرانيا التغلب عليها. الدفاعات الروسية مصطفة في طبقات، وعلى الرغم من شهور من النكسات والخسائر، فقد أظهرت عزماً على مواصلة القتال.
لا تزال الدفاعات الجوية الروسية شرسة وفاعلة، وكذلك قدراتها على التشويش على أجهزة الراديو وإسقاط الطائرات بدون طيار، ومع تقدم القوات الأوكرانية، ستصبح أكثر عرضة لنيران الطائرات الروسية.
- الكاتب:
- جوليان إي بارنز: مراسل الأمن القومي لصحيفة نيويورك تايمز.
- توماس جيبونز-نيف: مراسل أوكرانيا لصحيفة نيويورك تايمز وجندي مشاة سابق في مشاة البحرية.
1 تعليق واحد. Leave new
جيد