تحت المجهر: الصراع الكوسوفي والصربي الأخير واحتمال تطوره إلى حرب بين الطرفين
مركز الخطابي للدراسات / يونيو – حزيران 2023
لمحة تاريخية:
- من بين 1.8 -1.9 مليون شخص في كوسوفو، يشكل الألبان 92 %، والصرب 6% (نحو 120 ألف شخص) في حين أن الباقي من البشناق والغوران والأتراك والغجر، ويشكل المسلمون 95٪ من سكان كوسوفو وغالبيتهم العظمى من الألبان، أما الرومان الكاثوليك فتبلغ نسبتهم 2.2% والأرثودوكس 1.5% وديانات أخرى بمعدل لا يتجاوز 1.5%.
البلقان[1]
- بعد تفكك يوغوسلافيا في تسعينيات القرن الماضي، سعت كوسوفو إلى الاستقلال، بينما ردت صربيا التي تعتبر كوسوفو جزءا من أراضيها، بحملة قمع ضد الألبان الذين يسعون إلى الاستقلال. فعلى الرغم كون المسلمين أغلبية في كوسوفو، ترى صربيا المنطقة مكاناً مقدساً لتاريخ الصرب، نظراً لوجود مقر الكنيسة الأرثوذكسية الصربية في كوسوفو، وتاريخ هذه الأراضي في الصراع القديم مع العثمانيين[2]. وتعد كوسوفو البوابة الجنوبية لدولة صربيا في اتجاه دولة ألبانيا، وبالتالي تعدها صربيا امتداداً لأمنها القومي الإستراتيجي.
- انتهى التدخل الصربي في كوسوفو عام 1999، بحملة قصف من قبل حلف شمال الأطلسي “الناتو” ضد صربيا، أدت لانسحاب صربيا من كوسوفو… لكن لم يُحلَّ النزاع أبداً، حيث لا تزال قوات الناتو متمركزة في كوسوفو حتى تاريخ اليوم.
تتوزع الأقلية الصربية في معظمها شمال كوسوفو بالقرب من الحدود مع صربيا
في عام 2008، أعلنت كوسوفو الاستقلال من جانب واحد واعترفت 99 دولة باستقلالها، كالولايات المتحدة وبريطانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي. بينما وقفت كل من روسيا والصين، ضد استقلال كوسوفو، وبالطبع توعَّدَت صربيا بأنها لن تعترف بكوسوفو كدولة مستقلة.
“خريطة الدول التي تعترف باستقلال كوسوفو”[3].
- بناء على ذلك تعد كوسوفو دولة حديثة الولادة ومع أن نسبة المسلمين فيها تبلغ 95%، لكن دستور الدولة الحديث أيضا يصنفها في خانة الدول العلمانية مما يضمن “حرية اختيار مواطنيها لمعتقداتهم”.. ويتبع أغلبية الألبان المسلمون المذهب الحنفي بشكل عام وتشيع فيهم طرق صوفية مختلفة.[4]
الخلاف الأخير
- في عام 2013 حصل اتفاق بين صربيا وكوسوفو منح هامش استقلال واسع لصرب كوسوفو في الشمال (يعيش حوالي 50 ألف صربي في شمال كوسوفو، لا يعترفون بإعلان استقلالها ويحتفظون بروابط وثيقة مع صربيا) [5]. ومع ذلك تستمر الخلافات بين كوسفو (الألبان) والصرب في الشمال والذين لا يعترفون بسلطة بريشتينا (عاصمة كوسفو).
- وعلى الرغم من إعلان استقلال كوسوفو عام 2008، لا يزال الخلاف مع صربيا يمثل عقبة أمام تطبيع علاقاتهما، واعتراف الحكومة الصربية بدولة كوسوفو، وإفساح المجال لانضمامها إلى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وذلك بدعم روسي صيني للموقف الصربي.
- يؤدي هذا الخلاف، إلى توترات أمنية مستمرة تتكرر كثيراً، كما حصل أواخر 2022 على خلفية ضغط حكومة كوسوفو لإيقاف العمل بلوحات السيارة الصادرة من صربيا في مناطق شمال كوسوفو… أما الخلاف الأخير بين الطرفين فقد بدأ منذ 26 مايو/أيار الماضي عندما نظمت أقلية الصرب شمال كوسوفو احتجاجات منظمة لمنع رؤساء بلديات ألبان منتخبين حديثاً من دخول مباني البلديات لبدء مهامهم في مناطق معظم سكانها من الصرب الذين قاطعوا الانتخابات.
- قالت رابطة الصرب شمال كوسوفو أنها لن تسمح باحتلال الشمال (مناطق الأقلية الصربية) وسيحمي الصرب أنفسهم من قمع كوسوفو بكل الوسائل ابتداء من 1 يونيو/حزيران. بالمقابل كثفت قوات حفظ السلام الدولية التي يقودها حلف الناتو في كوسوفو انتشار عناصرها في البلديات الأربع التي شهدت اضطرابات أسفرت عن إصابة 25 شخص من قوات الناتو.
- اتهمت كوسوفو سلطات صربيا بالوقوف خلف الأنشطة المزعزعة لاستقرار بلادها ودعم العصابات الإجرامية، في حين اشترط رئيس صربيا إلغاء نتائج الانتخابات البلدية شمال كوسوفو لتخفيف التوتر.
- وعلى ضوء هذه التوترات قرر الناتو إرسال 700 جندي إضافي إلى مناطق التوتر، الأمر الذي رحبت به كوسوفو في حين انتقدته صربيا.. بينما قال المتحدث باسم الكرملين بيسكوف أن روسيا تدعم السكان الصرب في كوسوفو.
هل يمكن أن تندلع الحرب بين كوسوفو وصربيا؟
- وُضِعَ الجيش الصربي في حالة تأهب قصوى على الحدود مع كوسوفو، وحذر السياسيون الصرب من أن الوضع الحالي ينذر ببداية مرحلة ساخنة من الصراع..
- تسود توقعات باحتمال لجوء الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إلى روسيا طلباً للمساعدة. ويحذر الرئيس الصربي من أن الأسوأ لم يحدث بعد، ويرى أن نشوب صراع كبير محتمل، ولن يكون أمام صربيا خيار سوى حماية الصرب في كوسوفو، حسب قوله..
- هذا ليس الخلاف الأول بين الطرفين.. ولا يمكن الجزم أو النفي بشأن إمكانية اندلاع الحرب بين الطرفين. لكن الملاحظ في المشاكلات الماضية أن الطرفين يسعيان لتجنب المواجهة وإرجاء الصدام وربما لا تخرج هذه المشكلة عن سابقاتها….
- التوترات بين الجانبين لا علاقة لها بالانتخابات، بل تعود في أصلها لخلافات الجانبين التي عُلِّقَت بعد تدخل الناتو وأُرسِلَت قوات حفظ السلام.
- يضاف إلى المشاكلات السابقة بين الطرفين، أزمة التوترات الدولية كالحرب بين روسيا وأوكرانيا، وسط اتهامات لروسيا بتأجيج الأوضاع هناك عبر دعم صربيا وتحريضها ضد كوسوفو، لتخفيف الضغط على موسكو في أزمة أوكرانيا، عبر صرف الجهود الغربية بعيداً عن موسكو، عدا عن الصراع الدولي في منطقة البلقان بين الدول الكبرى..
- لكن بشكل عام قد لا يصل الوضع في كوسوفو إلى حرب، حيث يحاول الغرب والاتحاد الأوروبي الابتعادَ عن خلق بؤرة توتر جديدة، سيكون من الصعب السيطرة عليها خصوصاً مع التنوع الديني والعرقي بين كوسوفو وصربيا.
- من ناحية أخرى تسعى كوسوفو لبناء اقتصادها ودولتها خصوصاً مع بروز مشاكلات كبيرة إدارية وأمنية وعسكرية في هياكل دولتها.
- أما صربيا الساعية إلى جذب اهتمام الاتحاد الأوروبي لبناء اقتصادها المنهار أيضاً بفعل الحروب السابقة، تسعي هي الأخرى لتجنب شبح الحرب، بالتالي فربما لا تتمكن صربيا من إزعاج دول الاتحاد الأوروبي خصوصا مع انشغال روسيا (حليفة صربيا في الصراع ضد كوسفو) بـ حربها الخاصة في أوكرانيا، كما أن صربيا لاقت مؤخراً تصريحات تعتبر داعمة للصرب في كوسفو من قبل الدول الكبرى كـ فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الذين شجبوا قرار حكومة كوسوفو الدخول بالقوة لمباني البلدية في شمال كوسوفو…
[1] منطقة جغرافية تقع في جنوب أوروبا، تعد من أفقر مناطقها وأكثرها تنوعا من الناحية الثقافية والعرقية، وتستمد تسميتها من جبال البلقان. واعتباراً من انتهاء السيطرة العثمانية على المنطقة، اندلعت الصراعات والدعوات لتقسيم البلقان.. تمتد دول البلقان على مساحة 468,787 كم2 ويقع ضمن هذه المساحة عدد من دول: 1-ألبانيا 2-بلغاريا 3-البوسنة والهرسك 4-كوسوفو 5-مقدونيا 6-الجبل الأسود 7-كرواتيا 8-صربيا 9-اليونان 10-رومانيا 11-سلوفينيا.
[2] وشهدت كوسوفو معركتين كبيرتين (كوسوفو1 وكوسوفو2) بين الجيوش العثمانية وجيوش الصرب وحلفائهم؛ أسفرتا عن إلحاق هزائم موجعة بالصرب، وعلى رأسها مقتل الأمير الصربي الشهير المعروف عند الصرب بالإمبراطور لازار (في 15 يونيو/حزيران 1389)، وأدت هذه المعارك إلى سيطرة العثمانيين على صربيا وباقي دول البلقان لمدة 500 عام. وحرص الصرب خلال محاصرتهم مدينة سراييفو البوسنية إبان الحرب البوسنية (1992-1995) على إحياء ذكرى مقتل الإمبراطور لازار كل عام بقصف المدينة بآلاف القذائف والصواريخ.
[3] م وضع خطة لاستقلال الإقليم بإشراف دولي، وقد أعلن برلمان الإقليم انفصاله عن بلجراد في عام 2008، وحصل على تأييد الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي ودول إسلامية منها السعودية واليمن والبحرين والإمارات، في حين رفضتها صربيا وروسيا. تعترف 98 دولة حول العالم بكوسوفو وهو ما يمنحها عضوية الأمم المتحدة. جدير بالذكر أن هناك 5دول أوروبية لم تعترف بكوسوفو حتى الآن هي قبرص واليونان وإسبانيا وسلوفاكيا ورومانيا.
[4] تعتبر كوسوفو أكثر دول البلقان التي تتبنى الطابع الغربي في عاداتها وشوارعها، ومن ناحية أخرى، يعتقد البعض أن هناك توجه عام من أهل هذه الدولة نحو الإسلام، ويبدو هذا واضحًا من خلال رصد عدد المساجد، فبعد حرب كوسوفو في عام 1999 كان هناك حوالي 200 مسجد، وحاليًا يوجد أكثر من 800 مسجد، هذا بالإضافة إلى انتشار المحلات التجارية التي تبيع الملابس الشرعية في العاصمة بريشتينا. بينما يعتبر البعض أن الإسلام “الأكثر ليبرالية” في العالم موجود في كوسوفو، فهناك حرية تامة لشرب الكحول والاختلاط بين الجنسين حتى في المناطق الريفية، وباستثناء المساجد والمآذن فمن الصعب التعرف على التوجه الديني لسكان هذا البلد ذات الأغلبية المسلمة.
[5] وقعت كل من صربيا وكوسوفو اتفاقًا وصف بأنه تاريخي بين رئيس الوزراء الصربي ألكسندر فوسيتش، ونظيره الكوسوفي عيسى مصطفى. ينص الاتفاق على إقامة نظام قضائي في شمال كوسوفو يكون مقبولًا من الأقلية الصربية في كوسوفو، كما يضمن اتفاقًا حول جسر ميتروفيتسا المتنازع عليه، إضافة إلى خطط تعاون في مجال الطاقة والاتصالات، يأتي ذلك في أعقاب اتفاق تم توقيعه بين البلدين في عام 2013 برعاية الاتحاد الأوربي، ويقضي بتطبيع العلاقات بينهما.