• واشنطن بوست
• ترجمة: مركز الخطابي
عملت القوات الروسية في أوكرانيا بجِّدٍ لاجتناب استطلاع العدو وهجماته باستخدام أغصان الأشجار والقشِّ، وقطع من السجاد، لإخفاء الدبابات والمَركَبَات المدرعة الأخرى، فيما يسميه المحللون ردة مفاجئة عن التطور لمثل هذا الجيش المتقدم تقنياً، في دليل جديد على نقص الاستعداد لدى قادة هذا الجيش بعد قتال طويل بدأت تتكشَّف ملامحه.
التمويه، سواء للأفراد أو المعدات، جزء أساسي من القتال، حتى مع التقدم التكنولوجي مثل الطائرات بدون طيار وصور الأقمار الصناعية ونطاقات الأشعة تحت الحمراء التي جعلت من الصعب الاختباء في ساحات القتال الحديثة، إذ يعمل عن طريق تشويه الأشكال وتقليل آثار الحرارة، مما يؤدي في الواقع إلى خداع العين لإثارة الشك والارتباك.
لكن بالنسبة لبعض المراقبين الذين تابعوا الصراع في أوكرانيا عن كثب، ظهرت على القوات الروسية _ على الرغم من تفوقها العسكري _ درجة كبيرة من قلة الخبرة، إذ انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مجموعة من وسائل الاختراق.
في إحداها، يظهر جندي روسي وقد موَّه بعض العربات المدرعة التي تم الاستيلاء عليها من خلال وضع أغصان شجر الصنوبر عليها، قال مايك جيسون، ضابط المدرعات المتقاعد بالجيش الأمريكي الذي خدم في العراق وأفغانستان، إنه مشهد “ينم عن اليأس”.
أشار جيسون إلى أن الإجراء التكتيكي العسكري الأمريكي هو تغطية مركبات بأكملها بشبكات تمويه خفيفة الوزن عندما تكون في وضع السكون، حتى لو كان ذلك لفترات قصيرة فقط. شوهدت الوحدات الأوكرانية تستخدم مجموعات من الشباك وأوراق الشجر للمساعدة في إخفاء شكل هياكل المركبات المدرعة. استنتج جايسون أن غصون الصنوبر “أفضل من لا شيء”، ولكن يبدو أنها تشير إلى أن الوحدة المعنيَّة تفتقر إلى الكفاءة الأساسية لاستخدام التمويه أو ببساطة لم يكن لديها المعدات المناسبة للبدء بها.
تُظهر الصور الأخرى القادمة من أوكرانيا وسائل النقل المدرعة وقد كساها القش المتناثر، في مقطع فيديو آخر تمت مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن رؤية القوات الروسية وهي تغطي مركبة بالسجاد أو أي نوع آخر تجده من الملابس السميكة.
قد تكون هذه محاولة -حسب جايسون- لتقليل البصمات الحرارية التي تتبعها الأسلحة المضادة للدروع أو تشويهها، – مثل صواريخ جافلين المصنعة في الولايات المتحدة والتي قُدِّمَت لأوكرانيا – لضرب أهدافها. قد يصعِّب تشويه البصمة الحرارية التمييز بين مركبة مدرعة روسية وسيارة مدنية على سلاح المدفعية، على الرغم من أن الرامي المدرَّب سيقارن النطاق الحراري ومشاهدات المناظير لالتقاط أدلة أخرى على نشاط العدو، كما أشار إلى أن الجيش الأمريكي بدأ يخرج من حالة الرضا عن النفس بعد الحروب في العراق وأفغانستان، حيث جاء تمويه المركبات في القتال ضد المتمردين في كثير من الأحيان فكرة متأخرة، وقال جيسون إن التدريب الجديد يُحَتِّم العودة إلى الأساسيات العسكرية مثل استخدام شبكة التمويه. يمكن أن تساعد الشباك والأقمشة الأخرى في الإخفاء، واستخدام أوراق الشجر لتمويه ملامح المركبات ويمكن أن يساعد في منح أطقم العمل ثوانٍ شديدة الأهمية للرد على الاشتباك أو الهجوم بأنفسهم، لكن جيسون قال إن استخدامها محدود في عصر الطائرات بدون طيار وصور الأقمار الصناعية، مما يجعل التمويه محاولة تهدف في الغالب إلى خداع عيون البشر.
يُعدُّ افتقار الروس الواضح إلى شِباك تمويه حديثة أحدث مثال على ما يسميه المحللون سلسلة من الأخطاء التكتيكية منذ بدء الغزو أواخر الشهر الماضي، مما يؤكد المعتقدات السائدة في الولايات المتحدة وأوروبا بأن الرئيس فلاديمير بوتين وكبار قادته العسكريين فشلوا في توقُّع المقاومة الشرسة التي واجهتهم.
ومما أثار دهشة العديد من المراقبين الغربيين، تحدُّث الجنود الروس على أجهزة الراديو والهواتف المحمولة غير الآمنة، مما سمح لمخابرات العدو باعتراض اتصالاتهم، كما فشل المخططون العسكريون أيضًا في توزيع ما يكفي من الوقود والغذاء، مما دفع القوات إلى التخلي عن المركبات الموجودة، وفي بعض الحالات الاستسلام.
يقول المحللون إن الأمر المحيِّر هو أن الوحدات الروسية ذات خبرة في الواقع في تمويه مركباتها، وهناك أدلة على أنها فعلت ذلك في التدريبات العسكرية السابقة. في الآونة الأخيرة في عام 2018، روَّجَت وسائل الإعلام الحكومية الروسية لنماذج التمويه المتقدمة للجيش، والتي قالت إنها قادرة على تقليد البيئة المحيطة والذوبان فيها.
قال روب لي، خبير عسكري روسي وزميل بارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية، إن الاستخدام غيرُ المتكافئ للتمويه في أوكرانيا قد يشير إلى افتقار القادة إلى الاستعداد والتوجيه للمرؤوسين، أو يشهد على ثقتهم منذ البداية بأن إسقاط الحكومة الأوكرانية بمنتهى السرعة أمر مفروغ منه.
قال لي إنه أصبح من الواضح أن الطائرات التجارية والصغيرة التكتيكية بدون طيار التي قدمتها تركيا للأوكرانيين تُمكِّنُهُم من تحديد الوحدات الروسية للمدفعية والغارات الجوية، مما قد يدفع البعض إلى اللجوء إلى حلول مبتكرة مثل تجهيز مركباتهم بقطع من الشجيرات. أو ببساطة أخذهم بعيدًا عن الطريق والاختباء بين الأشجار.
وأضاف: “روسيا ليس لديها حلول مناسبة”