مركز “CTC” الأمريكي لمكافحة الإرهاب
ترجمة: مركز الخطابي للدراسات
فَيْلَقُ القُدْسِ فِي سورية: المقاتلون والوحدات والعمليات
تتمثَّل المهمة الرئيسية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في الدفاع عن الثورة الإيرانية وإنشاء ميليشيات مسلحة في دول ” محور المقاومة”. وهو تنظيم غامض ومعقد، إذ يقوم بتنسيق العمليات القتالية ويستخدم القوة الناعمة بهدف إنشاء سلام إيراني في الشرق الأوسط، وهو ” سلام” تكون هذه القوة من بدأته وتضمن استمراره. ومع تعرض فيلق القدس في سورية للضربات الجوية الإسرائيلية إلا أن طهران ما تزال ملتزمةً بمهامها ألا وهي التغلغل في المجتمع المدني السوري وإرسال المقاتلين إلى الشمال حيث ستنتهي الحرب الأهلية يوماً ما، وإلى الجنوب على حافة هضبة الجولان، لإنشاء قاعدة ضد إسرائيل إن دعت الحاجة لذلك.
الحرب غير النظامية- وهي نهج مدروس لا متناظر تجاه العدو من أجل مباغتته وإرباكه- ليست مجرد تكتيك في العقيدة العسكرية الإيرانية، بل هي نهج عملياتي مُعتَمد لدى الثورة الإسلامية الإيرانية. في اليوم الذي استولت فيه الثورة الإسلامية على السلطة، أنشأ النظام مقرات عامة للحرب غير النظامية والتي استُخدمت ضد عدو إيران آنذاك وهو العراق. من البداية، كان الهدف هو وجود قوة تقليدية على الحدود تقدم كمّاً هائلاً من التدخلات والقتال والاستخبارات والعمليات الخاصة والقوة الناعمة وغيرها.
تأسس الحرس الثوري الإيراني من أجل حماية مكتسبات الثورة الإسلامية من الأعداء الداخليين والخارجيين وتصدير إيديولوجية النظام بغض النظر عن الوسائل وأساليب التنفيذ، واقتصرت أعمال الحرس الثوري الإيراني على العمليات الخارجية في جنوب لبنان وبعض العمليات في البوسنة والهرسك في السنوات الخمس التي تلت تأسيسه بعد ثورة 1979 والتي أطاحت بشاه إيران، وأصبح خلال الحرب السورية الأهلية حالةً مثاليةً لإستراتيجية التوسع الإيراني.
ولفهم الحرس الثوري الإيراني يجب علينا أولاً أن نفهم النظام الإيراني بعمق. قال قاسم سليماني قائد فيلق القدس عام 2018 قبل أن يلقى مصرعه بضربةٍ أمريكية:” الحرس الثوري لديه هيكلية وأنظمة وقوانين ولكنه في الواقع نظام فكري، حيث أن لكل عملية قدسيتها”. كان هدف سليماني ملخصاً في عبارة:” انتهاز الفرص من عتمات الأزمات”. هذه العبارة مثال صارخ عن طريقة عمل الحرس الثوري الإيراني في المشهد السوري، حيث استغل الحرس الثوري الأزمة السورية لتهيئة فرص لمصلحته.
الأهداف المحورية لتدخل طهران في سورية هي:1) حماية الأقليات الشيعية في سورية.2) إنشاء ممر بري للبحر المتوسط وإنهاء الوجود الأمريكي.3) تهيئة الظروف لمناورة بهدف تطويق الدولة الإسرائيلية إذا لزم الأمر، من خلال تمركز المقاتلين والمعدات العسكرية قرب هضبة الجولان دون إطلاق النيران على المواقع الإسرائيلية. لا يوجد جدول زمني معين لهذه الأهداف الإيرانية، فلا يتعلق الأمر بالسيطرة على منطقة ومن ثم الانسحاب منها بعد توقيع معاهدات السلام. يرغب فيلق القدس في صنع ” سلام إيراني” في سورية وفي كل دول “محور المقاومة”، الهدف من ذلك هو صنع سلام عابر للحدود ويتجاوز الأعلام والحدود ومساحة تضم قيماً عقديةً مشتركة وتماسكاً إستراتيجياً تكون فيه طهران القلب النابض لبنية تتكفل بأمن الجميع.
بعد تزويد دمشق عام 2011 بمعدات فرض القانون وتدريب الضباط لإدارة الأوضاع قبل التمرد، ركّز فيلق القدس على أهدافه الجوهرية وهي إنشاء ميليشيا مسلحة مكلفة بنشر “الثورة الإسلامية” بين المدنيين. قدّر اللواء ركن المقرب من القائد الأعلى علي خامنئي بأن الحرس الثوري قد أنشأ ما يقارب من اثنتين وثمانين وحدة قتالية في سورية منذ تدخله في سورية وتضم نحو سبعين ألف رجل مسلح.
يركز القسم الأول من هذا المقال على التنظيم البشري لفيلق القدس من الجنود العاديين وحتى الضباط الكبار الذين يخططون للوجود الإيراني في سورية ثم يميز بين الوحدات القتالية والميليشيات المحلية ويلقي نظرة عن كثب على عمليات التجنيد وطبيعة المواجهات العسكرية، ومحاولات التغلغل واستخدام القوة الناعمة التي تهدف لزيادة نفوذ طهران في سورية. وقبل تقديم الملاحظات النهائية، يسلط المقال الضوء على فشل المخابرات الإيرانية التي ألقت الحذر جانباً في سبيل الترويج لأيديولوجيتها.