مركز الخطابي للدراسات
مقدمة:
برز اسم “فاغنر” لأول مرة في ربيع عام 2014، أثناء القتال في شرق أوكرانيا، ثم ذاع صيتها مع مشاركة عناصرها في أعمال القتال والتدريب والحراسة في سوريا منذ العام 2015. وسنحاول في هذه المادة التعرف على التوصيف الفعلي “لفاغنر” ومدى ارتباطها بالقوات الروسية الرسمية، كما سنتعرف على أبرز نشاطات وأعداد وخسائر المجموعة الروسية خلال الثورة السورية.
فاغنر النشأة والتوصيف:
ظهرت “فاغنر” على الساحة الدولية لأول مرة إلى جانب الانفصاليين الموالين لروسيا في دونباس بأوكرانيا، وكانت وقتها تحت إشراف العقيد الاحتياطي في مديرية المخابرات الرئيسية الروسية الذي شارك في مغامرة الفيلق السلافي بسوريا، “دميتري يتكين[1]” وكان يعرف بالاسم الحركي “فاغنر”.
بالإضافة إلى سوريا، ينشط موظفو فاغنر في المناطق النائية مثل البلدان الأفريقية، على غرار ليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث كشف تقرير تم تسريبه للأمم المتحدة في مايو/أيار من العام 2019، أن ألف عنصر من مجموعة فاغنر موجودون بليبيا لدعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
كما توسعت أنشطة المجموعة منذ يناير/كانون الثاني 2019 لتصل إلى أميركا الجنوبية، وبحسب تحقيق أجرته “رويترز” نهاية العام 2019، فإن “مقاتلين من روسيا يتبعون مجموعة (فاغنر) سافروا إلى العاصمة الفنزويلية كاراكاس من أجل دعم الرئيس نيكولاس مادورو (حليف روسيا) وإبقائه في سدة الحكم، كما تواجدت المجموعة في السودان دعماً لحكم الرئيس عمر البشير قبل الإطاحة به في أبريل (نيسان) 2019.
غالبا ما يصف المراقبون في وسائل الإعلام الغربية المجموعة الروسية بطريقتين:
- بأنها شركة لتوظيف “المرتزقة” من قدماء المحاربين المتقاعدين في خدمات الأمن أو الجيش الروسي، بالإضافة إلى مقاتلين موالين لروسيا من دول الاتحاد السوفياتي السابق أو من حليفتها صربيا.
- أو بأنها شركة خدمات عسكرية خاصة[2] على طراز “بلاك ووتر” الأمريكية، تعمل بشكل غير رسمي وبدون تنسيق مع الحكومة الروسية.
بينما يرجح البعض النظرية التي تقول: أن فاغنر لا تندرج تحت فئة الارتزاق ولا تحت فئة شركة عسكرية خاصة، كما يذهب بعض الصحفيين في توصيفها أنها أقرب ما تكون إلى أداة جيوسياسية يستخدمها الكرملين في تنفيذ أجندة السياسة الخارجية الروسية.[3]
وهكذا فإن الغموض الملاحق لمجموعة فاغنر يمكن السياسية الروسية من التهرب من الاضطلاع بأي دور رسمي في بؤر الصراع الساخنة في مناطق متفرقة من العالم، حيث إنها لن تجبر على الاعتراف بعدد القتلى في حال لقي مقاتلوها حتفهم، ويمكن لموسكو كذلك تجنب تحمل المسؤولية والنأي بنفسها عن هذه المجموعة عندما يُتهم مقاتلوها بارتكاب جرائم حرب.
يقول المدون الروسي رسلان ليفييف، مؤسس مجموعة Conflict Intelligence، وهي مجموعة استقصائية مستقلة: “تخبرنا مشاهدة هذا الصراع بأن مرتزقة جيش فاغنر هم أول من يذهبون للقتال….”نعتقد أنَّها استراتيجية تتبعها وزارة الدفاع الروسية بإرسال المرتزقة إلى أكثر الأماكن خطورة، وبالتالي نتجنب حدوث خسائر في صفوف الجنود الرسميين، ونحافظ على صورة نجاح العمليات القتالية”.
ويذكر أن الولايات المتحدة أدرجت كامل مجموعة “فاغنر” على قائمة العقوبات في يونيو (حزيران) 2017 بسبب عملياتها في أوكرانيا، وصلتها بالانفصاليين في شرق أوكرانيا.
أما ممول المنظمة، فهو رجل الأعمال الروسي “يفغيني بريغوجين” القريب من بوتين والذي جنى ثروته من ورش الترميم قبل أن يوقع عقوداً عدة مع الجيش الروسي، كما أطلق عليه لقب “طباخ بوتين”. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت على بريغوجين عقوبات بعد أن اتهمته بمحاولة التدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وانتخابات الكونغرس 2018. كما أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا عدداً من المسؤولين الروس على قائمة المطلوبين لها، وعلى رأسهم “يفغيني بريغوجين” وخصصت مكافأة مالية قدرها 250 ألف دولار أمريكي، لمن يدلي بمعلومات تساهم بالقبض عليه.
[1] مقدم مولود في أوكرانيا، وهو من المقاتلين السابقين في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، وكان يعرف بالاسم الحركي “فاغنر”، خدم في وقت سابق في لواء القوات الخاصة التابعة للمخابرات العسكرية الروسية، وذهب إلى سوريا مع مجموعة من المقاتلين تجندهم شركة تدعى “سلاف كوربس” في عام 2013 حيث كانت أولى مشاركاته هناك حسبما نقلت رويترز عن شخصين مقربين منه.
[2] الشركات العسكرية الخاصة: كيانات ربحية قانونية تُوفر خدمات يمكن أن تُوكَل في العادة إلى القوات المسلحة الرسمية لبلد ما، ويتراوح عمل هذه الشركات بين تحليل المعلومات الاستخبارية وتوفير الاستشارات والتكتيكات والخدمات الوقائية والحمائية.
[3] تقرير لشبكة الجزيرة مترجم عن موقع “Inside Over” بعنوان: مخابرات روسية أم شركة خاصة؟ حقيقة مقاتلي “فاغنر” الذين يقاتلون في ليبيا وسوريا.