ترجمة : مركز الخطابي
خبير المدرعات : ماكس بوت
لا تزال الحرب الروسية- الأوكرانية مستعرة بشدة، في ظل أفق مسدود حيث لا نتيجة ترتجى بعد. كما أنه من السابق لأوانه استخلاص دروس أو أحكام نهائية من الحرب. لكن مجريات الأحداث وسير المعارك يعيدان إلى الواجهة الجدل المستمر في الدوائر العسكرية حول مستقبل الحروب، وما إذا كانت الدبابات الروسية قادرة على الحفاظ على سمعتها بعد ثمانية عقود من تربُّعِها على عرش الحروب البرية.
لقد أثبتت هذه الحرب، على المستوى الاستراتيجي، صحة ما نص عليه كل من مستشار الأمن القومي (إتش آر ماكماستر H.R. McMaster) في “استراتيجية الأمن القومي لعام 2017″، ووزير الدفاع (جيم ماتيس Jim Mattis) في “استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018”. حيث أعلن كلاهما، على حد تعبير وزارة الدفاع الأمريكية، أن “المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، باتت الآن الشغل الشاغل للأمن القومي للولايات المتحدة”، وركزت كلتا الوثيقتين بشكل صريح على التهديد الذي باتت تشكله روسيا، فقد نصت استراتيجية الأمن القومي على أن روسيا “تسعى إلى استعادة مكانتها كقوة عظمى وإنشاء مناطق نفوذ لها بالقرب من حدودها”.
هذا التغيير في الاستراتيجية الوطنية شجَّع الجيش الأمريكي على مضاعفة عملياته التقليدية ذات الوحدات الكبيرة المدرعة. فيما ذهب سلاح مشاة البحرية في الاتجاه الآخر، عبر التخلي عن دباباته، للتركيز على استراتيجية استخدام الصواريخ المحمولة لمواجهة السفن والطائرات الصينية في غرب المحيط الهادئ. يمكن لكلا الطرفين أن يعتمدا على مجريات الحرب في أوكرانيا للدلالة على صحة توجه كل منهما.
يلاحظ المُراقِب للحرب في أوكرانيا، اعتماد الهجوم الروسي على تشكيلات كبيرة من الدبابات والعربات المدرعة، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى على أهميتها في ساحة المعركة. وفي المقابل، عانى الروس أيضًا من خسائر فادحة في الآليات بفعل الصواريخ مضادة للدروع- مثل Javelin الأمريكي وNLAW البريطاني التي استخدمتها القوات الأوكرانية. كما استفاد الأوكرانيون بشكل جيد من مسيّرات البيرقدار (Bayraktar TB2 ) التركية التي تطلق هي أيضًا صواريخ مضادة للدروع. تشير التقارير مفتوحة المصدر إلى أن الروس فقدوا أكثر من 1600 آلية مدرعة، بما في ذلك ما يقرب من 300 دبابة وأكثر من 500 مركبة مدرعة من أنواع أخرى.
أما الآن، وبعد تزويد الولايات المتحدة القوات الأوكرانية بـ 100 طائرة مسيرة من طراز Switchblade kamikaze- المعروفة تقنيًا باسم “الذخائر المتسكعة”- فمن المتوقع أن تتكبد القوات الروسية خسائر أكبر مما سبق. يمكن لهذه المسيّرات الأمريكية البقاء في الجو بحثًا عن هدف ثم الانقضاض عليه. وقد أثبت الجمع بين الطائرات المسيرة من طراز بيرقدار والذخائر الإسرائيلية الصنع فعاليته في المواجهة الأذربيجانية الأخيرة ضد أرمينيا عام 2020، حيث تعرضت 47% من المركبات القتالية في أرمينيا للتلف أو التدمير.
كتبت صحيفة “آرمي تايمز- Army Times” أن الحرب الأرمينية- الأذربيجانية “أعطت محبي المدرعات ونُقَّادَها على حد سواء العديد من نقاط البحث… واعتمادًا على ما حصل، فإن تدمير الدبابات بواسطة الضربات الدقيقة للطائرات المسيرة إما أنه حدد نهاية سلاح الدروع كما نعرفه، أو كان مثالًا على ما ستواجهه الدروع غير المحمية والمنتشرة بشكل سيئ”.
وبغض النظر عن صحة هذه الفرضيات، إلا أن الحرب الروسية- الأوكرانية ستكثِّف من هذا الجدل.
يسارع البعض للادعاء بأن “الدبابات وناقلات الجند المدرعة قد عفا عليها الزمن، فهي باهظة الثمن وسهلة التدمير بأسلحة خفيفة ومتعددة الاستعمالات: كالصواريخ المضادة للدبابات أو الطائرات المسيرة”. في المقابل، يرفض خبراء المدرعات هذا التسرع في الحكم، فقد كتب الضابط السابق في الجيش البريطاني نيكولاس دروموند: “لقد كانت التكتيكات الروسية الكارثية إعلانًا فظيعًا للدبابات. لكننا يجب أن نحرص على تجنب النتائج الخاطئة، إذا لم تحظَ هذه الدبابات بدعم مدفعي، ولا دعم للمشاة، ولا غطاء جوي. فهذه ليست الطريقة التي تعمل بها تكتيكات الأسلحة المشتركة في عصر العمليات متعددة المجالات”. يجادل دورموند بأن الدبابات الروسية لو كانت مدعومة بشكل أفضل من المشاة والمدفعية والقوة الجوية، فإنها لن تكون عرضة لكمائن المشاة الأوكرانيين المسلحين بأسلحة مضادة للدبابات.
يُجمِع الخبراء العسكريون على أن الدروع لا زالت تحتفظ بمكانتها في تمكين العمليات الهجومية في ساحة المعركة. يخبرنا اللواء ميك رايان، الذي تقاعد مؤخرًا من الجيش الأسترالي، بأن “البيانات التاريخية عن القوات البرية المدعومة بالدبابات، في مقابل تلك التي لا تمتلك دبابات، متناسقة للغاية. فحين تمتلك دبابات، فستحد من خسائرك البشرية بشكل كبيرة، وستكون لديك فرصة أفضل للانتصار، شرط أن تُستخدم ضمن فريق أسلحة مشترك بقيادة جيدة”.
بناءً على ما سبق، لا ينبغي أن يناقش السؤال ضرورة امتلاك الجيوش للدبابات في المستقبل من عدمها، ولكن كيفية استخدامها. ينفق الجيش الأمريكي 4.62 مليار دولار لتحديث دباباته من طراز أبرامز M1A2 Abrams بنظام الحماية النشط المضاد للطائرات المُسيَّرَة والذي طورته إسرائيل، وأجهزة الحرب الإلكترونية لمواجهة العبوات المزروعة على جانبي الطريق، وترقيات الدروع الباليستية. ولكن، هل سنبلغ مرحلة تصبح فيها هذه الهياكل العملاقة، البالغة من العمر 40 عامًا والتي تزن 80 طناً، باهظة التكلفة وغير عملية؟ يواجه الجيش الأمريكي هذا الاحتمال عبر تطوير دبابات خفيفة وعربات مسيرة.
يشير بعض الحالمين إلى أن استبدال دبابات M1 لا ينبغي أن يكون بدبابة جديدة على الإطلاق، وفق ما كتبت Breaking Defense، ولكن بمجموعة من المركبات المأهولة وغير المأهولة التي تعمل معًا: “بدلاً من جمع بندقية وأجهزة استشعار وطاقم في مركبة واحدة، يمكن، على سبيل المثال، وضع أجهزة الاستشعار بعيدة المدى على متن طائرة مسيرة، والشراك الخداعية على طائرة مسيرة أخرى (قابلة للإتلاف)، والبندقية الرئيسية على روبوت أرضي، فيما يكون طاقم التحكم البشري في مركبة قيادة صغيرة مدرعة بشكل جيد ومخبأة على بعد مسافة”.
في المحصلة، تتفق جميع الأطراف التي تناقش مستقبل سلاح الدروع على أن روسيا تسيء استخدام دباباتها بشكل فظيع، وأن أوكرانيا تستفيد بشكل كامل من الفشل الروسي.