ترجمة: مركز الخطابي
16 أبريل / نيسان 2022
مرت 7 أسابيع على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. أتناول اليوم كيف كان أداء الروس في معركة التكيُّف المستمرة، وهي سمة دائمة في جميع الحروب.
من المستحيل على الجيوش توقُّع كل النتائج النهائية للحرب، مع ما يتمتع به الإنسان من مرونة وذكاء وقدرة على تحمل المفاجأة، فضلاً عن الأنانية والجبن والغباء، ثمة مجموعة من النتائج الممكنة للحرب.
يقول ميشيل هاورد في كتابه “الاستفادة من التاريخ العسكري وإساءة الاستفادة منه” بأن المؤسسات العسكرية غالباً ما تخطئ تقدير الحرب القادمة، ويجري ذلك في الغالب لأسباب خارجة عن إرادتها، وبالتالي يجب أن تتمتع هذه المؤسسات بمزية التكيُّف مع الأحداث غير المتوقعة.
في شهر آذار الماضي اطلعت على مفهوم التكيف في الحرب، وكيف لم تستفد روسيا من جهودها للتحول في عقيدتها القتالية سوى القليل على المستوى التكتيكي والاستراتيجي.
قدَّم لي هذا البحث مزيداً من الأفكار حول القدرة التكيفية للجيش الروسي.
اضطر الروسي لتعديل مسار حملتهم بعد 48 ساعة من انطلاقها، إذ أخفقت محاولتهم تنفيذ غزو ناعم، وتبدَّى هذا الفشل أكثر ما تبدى في محاولات احتلال كييف، فكان عليهم تعديل حملتهم لتتلاءم مع حقائق استراتيجية الدفاع الأوكرانية.
ومع هذا لم تتجلى هذه الموائمة سوى في “الزج بمزيد من الدبابات والجنود في أتون المعركة”، وترهيب السكان، دون أن يطرأ تغيير على التكامل بين الأذرع المشتركة للقوات، أو المساندة الجوية للقوات البرية.
بعد السيطرة على أجزاء من شمال أوكرانيا، منع النقص في القوات والعجز عن تقديم الدعم اللوجستي للحملة من تحقيق خرق عملياتي، لتنتهي كارثة الحملة الشمالية في شهر آذار.
هل رأينا وسائل مؤسسية روسية للتعلم مما حدث؟ الجواب ربما، فما اختُبِرَ في هذه الحملة كان: الاستراتيجية العامة والقيادة واللوجستيات والأسلحة المشتركة والإسناد الجوي والقيادة.
لقد عدَّلَت روسيا من استراتيجيتها، على الرغم من أن الفشل كان دافع هذه التعديل، لقد كانت الخطة الروسية ب بعد أول 48 ساعة: “زحفاً متعدد المحاور بغرض استنزاف العدو”، واتسمت بزيادة في القوة النارية، وبتدمير المدن الصغيرة كي تكون عبرة لكييف.
ووضع الروس الخطة ب التي تقضي “بالحشد على محاور متعددة” بغية الانتصار في الحرب في اليوم التالي في الجبهات الشمالية والجنوبية والشرقية، مما يعني عدم وجود اتجاه مجهود رئيسي واضح، مما أدى لتكبد الروس خسائر فادحة مقابل مكاسب طفيفة على الأرض، فيما عاث الأوكرانيون فساداً في مؤخرة القوات.
واضطرت القيادة الروسية العليا لتبني استراتيجية جديدة. أواخر شهر آذار رأينا ملامح الخطة ج، التي اتسمت بالتمسك بالمكاسب وبتطبيق القوة النارية بعيدة المدى على المدن، وتدمير ما أمكن من البنية التحتية. وجرائم جماعية بحق المدنيين.
ورغم محاولات الروس تجميع قواتهم شرقاً وجنوباً، إلا أن التشكيلات القليلة المتبقية لا تستطيع تحمل تنفيذ المهام الكثيرة التي تنتظرها. وهذا يُظهِر عجزهم على التكيُّف حيث أنهم لم يتناولوا هذا الوضع خلال تخطيطهم للغزو.
القيادة والسيطرة:
في التخطيط وقيادة العمليات يشير تعيين قائد موحد لغزو أوكرانيا؛ الجنرال دفورنيكوف الى اعتراف الروس الضمني بأن أداء القوات على الجبهات السابقة لم يكن مثالياً.
هذا تعديل إيجابي من المنظور الروسي ومع ذلك، يواصل القادة الروس استخدام الاتصالات غير الآمنة ويستهدفهم الأوكرانيون، إن عدم قدرتهم على التكيف في هذا الصدد أمر مذهل.
حرب الأسلحة المشتركة:
يواصل الروس الزج بقوات بشكل تدريجي في أماكن مثل إيزيوم وروبيزني وبوباسنا. لا يبدو أن هناك فهمًا لتركيز القوة أو وحدة المجهود حتى الآن. لا تكييف للاستراتيجية هنا، مجرد غباء تكتيكي.
لا يزالون يواجهون تحديات كبيرة في قدرتهم على تنسيق مناورة الأسلحة المشتركة على الأرض، لذلك تكيَّفوا على الاعتماد على القوة النارية أكثر من الاعتماد على المناورة، فلا يبدو عليهم سوى الحد الأدنى من القدرة على التكيف في هذا الصدد.
الإسناد الجوي:
من الواضح أن سلاح الجو الروسي قد دخل الآن بقوة في القتال، لقد زاد الروس بشكل كبير عدد الطلعات الجوية في أوكرانيا، كما حسَّنوا من قدرتهم على إسناد العمليات البرية.
البحرية الروسية؟
يُظهر الحطام الغارق مؤخراً في البحر الأسود مدى غطرسة الروس في تقييم قدرة أوكرانيا على القتال في البيئة البحرية. التكيف الوحيد الذي أظهروه هو التحرك بسرعة أكبر في البحر.
الخدمات اللوجستية:
تشير نشرات البنتاغون، وكذلك المصادر المفتوحة، إلى أن اللوجيستيات التكتيكية والتشغيلية الروسية لا تزال دون المستوى الأمثل، ربما يبرهن هذا على نقصٍ كبيرٍ في الاستثمار في العقد الماضي في مجال الخدمات اللوجستية وسيكون من الصعب إصلاحه بسرعة.
أمن مؤخرة القوات:
سيطر الروس والقوى الموالية لهم على أجزاء من دونباس لسنوات، ومع ذلك، إذا تمكَّن الروس من التقدم أكثر في أوكرانيا، فهذا يعني عندئذ مزيداً من الحراسة والتأمين، وبالنظر إلى محدودية القوى البشرية، من المحتمل أن تظل هذه المشكلة قائمة.
القيادة:
يتصرف الجنود وفقًا للتدريب والمهام الموكلة إليهم والإشراف المباشر من ضباط الصف وباتخاذ القادة قدوة لهم. عندما يكون كل منهما غير كفوء، ينخفض أداء الفعالية العسكرية. لقد رأينا فقط أدلة على وجود نظام عسكري متآكل لدى الروس.
شهدت القيادة في سلوفينيا استراتيجية عسكرية قذرة تتكيف مع استراتيجية قد تركز على مناطق أقل. ومع ذلك، فإن هذا التكيف هو في الواقع عودة إلى نفس الثقافة العسكرية مثل الجيش الروسي الذي قتل واغتصب طريقه إلى برلين في الحرب العالمية الثانية.
يجادل بارنو وبنساهل بأن الحديث عن التكيف العسكري أسهل بكثير من حيث المبدأ من تحقيقه في الممارسة العملية، المقاومة البيروقراطية والاحتكاك في ساحة المعركة وتكيفات العدو كلها تجعل الأمر أكثر صعوبة لكنه ممكن، كما أظهرت الجيوش الناجحة.
لم يتمتع الروس في أوكرانيا سوى بالحد الأدنى من القدرة على التكيف، ثقافة التعلُّم المنهجي الخاصة بهم تكاد تكون معدومة والدروس من سوريا ليست ذات صلة، وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يظلون قوة عسكرية كبيرة وخطيرة للغاية في الشرق والجنوب.
1 تعليق واحد. Leave new
أشكر لكم هذا الجهد في تقريب صورة الحدث و تحليل سلوك المقاتلين و استجابتهم لمتغيرات صفحات المعركة .
في تقديري هذا الأداء غير المتوقع من القوات الروسية سببه فشل استخباراتي ذريع ، مع استهانة بقدرات الجيش الأكراني ، مع قراءة خاطئة تمامًا لردود أفعال دول النيتو و من في فلكهم.