تعد الضربة الإسرائيلية لإيران (في أصفهان وعلى الحدود السورية العراقية)؛ الأولى من نوعها خلال الحقبة الجديدة من رئاسة نتنياهو، ومن المعلوم أن نتنياهو (المعارض الصلب للاتفاق مع إيران) يضع مواجهة البرنامج النووي الإيراني على رأس أولويات حكومته الجديدة، ويمكن أن نلاحظ:
1- على الرغم من الأحداث الداخلية في الساحة الفلسطينية وتبعات عملية القدس والمظاهرات ضد حكومة الاحتلال؛ فقد نفذ الجيش والموساد الضربات الثلاث خلال أقل من 24 ساعة، الأمر الذي يعكس الالتزام الإسرائيلي بمواجهة النشاط الإيراني.
- تؤكد الضربة الأولى (داخل إيران) على رسالة في غاية الأهمية وهي استمرارية العمل بما يطلق عليه المحللون الإسرائيليون “عقيدة الأخطبوط” (نقل المعركة ضد طهران إلى داخل الأراضي الإيرانية) والتي سار عليها رؤساء الحكومات السابقة بينت ولابيد.
- أصفهان تعد واحدة من أهم مراكز الثقل للصناعة العسكرية الإيرانية سواء بالنسبة للمسألة النووية أو مشروع الصواريخ والطائرات بدون طيار، بالتالي فقد يكون الهجوم أيضاً رسالة أمريكية – إسرائيلية موجهة ضد التعاون الإيراني الروسي وإرسال تهديد عسكري حقيقي ضد إيران بحسب ما ذكر رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق تامير هايمان (التورط الإيراني في أوكرانيا يجعل من إقناع واشنطن بردع إيران مهمة أسهل بالنسبة لإسرائيل).
- بنفس الوقت تشكل الضربات على الحدود السورية العراقية تأكيداً جديداً على الرسالة الإسرائيلية السابقة والمستمرة منذ عام 2012، بعدم السماح لإيران ببسط نفوذها داخل سوريا المجاورة لها، وتمثل هذه الغارات تعبيراً عن توجهات الحكومة الجديدة كما في السنوات السابقة.
2- ارتبط اسم الولايات المتحدة بالعمليات الإسرائيلية في إيران لكن مسؤولين أمريكيين سرعان ما نفوا هذه الاخبار مؤكدين على عدم مشاركة بلادهم في هذه العمليات:
• من ناحية يمكن القول إن تراجع فرص التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران أسهم في تقارب وجهتي النظر الإسرائيلية والأمريكية نوعا ما، وصولاً إلى موقف أكثر حزماً من إيران.. لكن خلافات بين الجانبين بشأن التدخل العسكري تلقي بظلالها على هذه العمليات مما يضطر واشنطن إلى النأي بنفسها بالإضافة لخشيتها إلحاق الضرر بقواتها وقواعدها في المنطقة، وترك باب العودة للمفاوضات النووية مفتوحاً.
• ويجب ألا ننسى أن إسرائيل لا تمتلك القدرة العسكرية اللازمة للقضاء على البرنامج النووي الإيراني بمفردها، كما أكد ذلك عدد من الزعماء الإسرائيليين مثل “إيهود أولمرت”، لذلك فمن الممكن أن إسرائيل تسعى بهذه العمليات لتوريط الولايات المتحدة في الصراع مع إيران، بشكل علني.
• فلتنفيذ ضربة حاسمة للمنشآت النووية الإيرانية، تحتاج إسرائيل لاستخدام مطاراتها وطائراتها الخاصة، وهذه تحتاج بدورها ناقلات لتزويد الوقود من طراز “كيه سي-46″، والتي رفض البنتاغون تسليمها لإسرائيل قبل الوقت المحدد لها عام 2025 بحسب ما نقل معهد واشنطن للدراسات، ويعتقد البعض أن إسرائيل تحتاج مزيداً من الطائرات الهجومية أيضاً وهو ما يحد من قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ الضربة بمفرده..
• أمام هذا الخلاف الإسرائيلي الأمريكي في طريقة التعاطي مع إيران ربما تفضل الولايات المتحدة فصل نفسها عن العمليات الإسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية، لكن هذا لا يمنع علم واشنطن المسبق بتلك الضربات بالإضافة لوجود رسائل الأمريكية موجهة إلى إيران بشكل مباشر، فمؤخراً أضافت الولايات المتحدة في تدريباتها المشتركة مع الجيش الإسرائيلي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تمارين لتزويد طائرة إسرائيلية بالوقود بواسطة ناقلة نفط أمريكية من طراز “كيه سي-135″، وهو ما يحاكي ضربات جوية بعيدة المدى في رسالة واضحة لإيران. رافقها تصريحات أمريكية بتطوير خيار عسكري للرد على البرنامج النووي الإيراني في حال فشل المفاوضات
3 – من الطبيعي أن تبحث إيران عن رد مناسب (غير مباشر ورسمي)، ومن المرجح أن تتخذ قراراً بالرد على “إسرائيل” بأعمال انتقامية تشمل:
إطلاق صواريخ أو طائرات بدون طيار (من سوريا ولبنان واليمن).
أو مهاجمة أهداف إسرائيلية خارج الأراضي المحتلة.
أو مهاجمة القواعد العسكرية الأميركية بهدف زرع فتيل توتر بين الولايات المتحدة وحكومة نتنياهو.
ومن المستبعد أن تبحث إيران عن الدخول في مواجهة مباشرة إدراكا منها بأهمية تركيزها للوصول للعتبة النووية ( حالة البلد الذي يمتلك التكنولوجيا اللازمة لصنع أسلحة نووية دون أن يقوم بذلك خشية تعرضها لمقاطعة وعقوبات غير مسبوقة مثل كوريا الشمالية).
4- أخيراً يبدوا أن عودة نتنياهو مع تحالفه اليميني متشدد على رأس حكومة الاحتلال ينعكس على المنطقة برمتها داخل فلسطين وخارجها، وهو ما سيؤثر بطبيعة الحال على مستوى الصراع والاستقرار في الشرق الأوسط، خصوصا مع تنامي التحالف الروسي الإيراني بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وتراجع فرص الاتفاق النووي، ولعل هذا ما أكد عليه رئيس وزراء الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم يوم 14 كانون الثاني 2023 عندما حذر من عمل عسكري محتمل في المنطقة، كاشفا عن معلومات تقول أن إسرائيل تسعى جاهدة للحصول على بعض المعدات والأسلحة التي تُمكِّنُها من قصف الأهداف الإيرانية التي تعتبرها خطراً كبيراً عليها…