حرب 2006: كيف أسست لقواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله؟

لا توجد تعليقات

تحليل

يُعتبر التعلم من الحرب من أصعب وأشق أنواع التعلم، لأنه تجربة ثمنها الدماء والأشلاء والأرواح، وحتى مع أعلى مستويات التدريب يظل الفارق كبيراً بين التدريب والمعركة الحقيقية، ومن هذه الحقيقة تبرز متلازمة “الحرب الأخيرة” التي تصاب بها الجيوش عادةً، ومفادها أن الجيوش تبني خططها وعقيدتها القتالية والعسكرية حسب تجربة آخر الحروب التي تخوضها، مهما تباعدت الأزمان وتغيرت الظروف، تفعل ذلك عن وعي أو عن غير وعي.

كانت آخر حرب خاضها حزب الله ضد إسرائيل في تموز عام 2006 وقد تعلَّم أهمية ثلاثة أسلحة رئيسية -لمس أهميتها من تجربته في قتال إسرائيل بين عامي 1982و2000- وهي:
    أ- سلاح الصواريخ أرض-أرض.
    ب- الصواريخ المضادة للدروع.
    ت- تكتيك الأنفاق والتحصينات.

وبعد ما اعتُبِرَ انتصاراً للحزب في تلك الحرب لم يفتر الحزب عن تعزيز هذه الأسلحة الثلاث، على اعتبارها عناصر استراتيجية، فأنشأ ترسانة ضخمة من صواريخ أرض-أرض، يمكنها الوصول الى أية نقطة في فلسطين، وزوَّدته إيران -بوسائل تصنيعها، وأضافت الى ترسانته الصواريخَ الدقيقةَ وإمكانية إطلاق الصواريخ من مواقع متعددة بشكل رشقات صاروخية للتغلب على القبة الحديدية.

كما كَنَزَ الحزب كميات هائلة من مختلف أنواع الصواريخ المضادة للدروع، وأمدَّته إيران بسخاء بما صنعته من صواريخ، وتمتاز هذه الصواريخ بالدقة والمدى الكبيرين، وكذلك القدرة العالية على تدمير الآليات المصفحة والدبابات، وما فتأ الحزب يحفر الأنفاق فزاد من عمقها واتساعها كي تحتوي قواته ومنظوماته الصاروخية، فتعمل هذه القوات من نقاط محصَّنة ومموهة، وأضاف الأنفاق الهجومية التي امتدت الى ما بعد الحدود، واكتشفت إسرائيل بعضاً منها.
وأتاحت الحروب الثلاث التي خاضها قطاع غزة إثبات صحة ما ذهب إليه حزب الله، علماً أن العقيدة العسكرية للحزب وكتائب القسام في القطاع تكادان تتطابقان.

كما فكَّر قادة الحزب خارج الصندوق، فعملوا على صناعة الطائرات المسيرة، ومن ثم استوردوها بكميات كبيرة، وكانت تُستَخدَم للاستطلاع في البداية، ثم ما لبثت أن تعددت أغراضها للقصف والانقضاض على الأهداف وتدميرها، كما عزز الحزب من دفاعاته البحرية بعد أن أمدته إيران والنظام السوري بصواريخ مضادة للسفن، أشهرها منظومة ياخونت الروسية، كما أضاف الحزب وحدةً للدفاع الجوي إلى ترسانته العسكرية والدفاعية.

في المقابل سعت إسرائيل بدأب على تحييد هذه الأسلحة الثلاث، فطورت القبة الحديدية باستمرار لاعتراض الصواريخ، وتسليماً منها بصعوبة أو استحالة اعتراض جميع الصواريخ والقذائف فقد درَّبَت شعبها على الدفاع السلبي، واللجوء الى الملاجئ وإجراءات التصرف خلال الحرب الطويلة، وأعمال الطوارئ والعلاج وغيرها. كما سعت لزيادة تصفيح دباباتها وابتكار منظومات للتصدي للصواريخ المضادة للدروع، ودرَّبت طواقم الدبابات على تكتيكات لحرمان مجموعات صيد الدبابات وطواقم الـ م/د من التمكن من فرائسهم بسهولة، من تمويه دخاني وبصري ومزامنة عملها مع أسلحة أخرى.

وأما سلاح الأنفاق، فقد جرَّبَت إسرائيل العديد من الأساليب لكشف الأنفاق وتدميرها، ولاقت نجاحاً كبيراً فيما يتعلق بالأنفاق الهجومية، لكن هذا النجاح لم ينسحب على الأنفاق الدفاعية، التي يستوفي المُدافِع فيها وقته وجهده. وجرَّبت إسرائيل هذا كله في حروبها الثلاث الرئيسية مع قطاع غزة.

كان حزب الله قد خرج من حرب 2006 أكثر هيبة وقوة واحتراماً وثقة بالنفس، وخرجت إسرائيل شبه مهزومة، رغم فارق الخسائر المادية والبشرية الهائل بين الطرفين، ولعل هذا يعود الى أجواء تلك الحرب، حيث اندلعت بعد احتلال العراق والقضاء على الانتفاضة الفلسطينية، وساهمت القيادة الإسرائيلية قليلة الخبرة التي آلت إليها هذه القيادة مصادفةً في إخفاق إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها المُعلنة آنذاك.

ولعل نشوة ذلك “النصر” غطت على الكثير من نقاط الضعف التي لم تُحل كما يجب، كما أغرت الحزب بسلوك النهج الطائفي بلا مواربة، والاستغناء التام عن الغطاء العربي والإسلامي، والاكتفاء بإيران حليفاً وحيداً، والعمل بتوجيهاتها، بل والاستهتار بالكثير من قواعد الأمن ومكافحة الاستخبارات والتجسس، ولعل مرارة الهزيمة هي التي دفعت إسرائيل للعمل الدؤوب على اختراق الحزب، هذا الاختراق الذي بدأ فيما يبدو منذ سنوات طويلة، ليثمر خلال الفترة الأخيرة عن أكبر موجة متتالية من الضربات الاستخبارية وأدقها في عصر الحروب الحديثة.

المقالة السابقة
معركة الفلوجة الثانية 2004
المقالة التالية
تحرير الأقصى نظرة استراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed