“الخيارات الغربية والإسرائيلية للتصدي للبرنامج النووي الإيراني”
تحت المجهر / تحليل
مركز الخطابي للدراسات / أبريل / نيسان 2023
عرضت الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في فيينا في أَحْدَثَ تقرير لها عن إيران قالت فيه: إن أجهزة الطرد المركزي في طهران كانت تخصّب اليورانيوم لمدى يصل إلى %84 وهو قريب جداً من مستوى 90% المقبول عموماً لصنع قنبلة ذرية. ما يسلط الضوء من جديد على مستقبل الاتفاق النووي الإيراني والخيارات الغربية والإسرائيلية للتصدي للنفوذ الإيراني؟
في البداية، تأملت إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن” العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة 2015 (الاتفاق النووي مع إيران)، لكن مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي يظهر أن هذا الأمل غير ممكن حتى الآن.
بالنسبة لطهران، حقق الاتفاق النووي 2015، عدة أهداف، وهي بحسب ما ذكر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى:
1. تخفيف العقوبات الاقتصادية.
2. إضفاء الشرعية الدولية على أنشطة إيران النووية (السلمية).
3- حماية البرنامج النووي الإيراني من التهديد العسكري.
لكن اليوم قد لا يستعجل المسؤولون الإيرانيون في التوصل لاتفاق جديد كما فعلوا عام 2015، بسبب:
1. التراخي في تطبيق العقوبات في السنوات الأخيرة.
2. زيادة العلاقات الاقتصادية مع روسيا والصين.
3. توقع دائم لدى إيران بأن الرئيس الأمريكي المستقبلي سيعيد فرض أي عقوبات يتم رفعها.
بالمقابل فإن الخيارات أمام المسؤولين في الولايات المتحدة وحلفائها من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، محدودة للغاية وتتراوح بين بعض الخيارات الدبلوماسية وأخرى عسكرية.
أولاً – النهج الدبلوماسي:
تبدو إيران راضية بالإبقاء على وهم المحادثات النووية، لأنه ليس لديها حافز للانخراط بمحادثات جديَّة أو حتى الانسحاب بشكل رسمي (كونه قد يدفع الغرب لوضع سياسة جديدة ضدها).
بالنسبة لطهران فإن اختيار إنتاج سلاح نووي سيُعرِّضُها لخطر هجوم عسكري غربي أو إسرائيلي، أو قطيعة دولية بأقل تقدير على غرار كوريا الشمالية. لذلك يرى الكثير من المراقبين أن إيران لن تُقْدِمَ على صنع السلاح النووي بل إن جُلَّ تركيزها ينصب على امتلاك القدرة على صنع السلاح دون الإقدام على ذلك. وعلى هذا الضوء ترتفع الأصوات التي تدعو لاتباع نهج دبلوماسي جديد مع إيران مثل:
– دعوات بعض المسؤولين الغربيين لاتخاذ خطوات متبادلة بصفقة يطلقون عليها اسم “الأقل مقابل القليل”، كالاتفاق على الامتناع عن المزيد من التصعيد، حيث ستتوقف إيران عن توسيع أنشطتها النووية، وستتوقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن فرض العقوبات. (ليس لدى طهران سبب وجيه لقبول مثل هذا الترتيب).
– تعزيز وإنفاذ العقوبات الاقتصادية.
– دعم المعارضة الإيرانية.
لكن الإشكالية الرئيسية في هذا النهج الجديد أن المسؤولين الغربيين يشعرون أن إعادة فرض العقوبات أو دعم المعارضة قد تدفع طهران إلى اتخاذ إجراءات متهورة – كرفع نسبة تخصيب اليورانيوم أو الانسحاب من “معاهدة حظر الانتشار النووي”….. إلخ.
يبقى احتمال العودة الإيرانية إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق مع إدارة بايدن. احتمالاً وارداً في حال اقتنعت طهران بجدية التهديد العسكري لا سيما قبيل انتهاء ولاية بايدن.
ثانياً: النهج العسكري
فيما يتعلق بالهجمات المحتملة على المنشآت النووية الإيرانية، يُفترض على نطاق واسع أن أي ضربة لإيران ستكون بتحريض وربما تنفيذ مباشر من إسرائيل ومن المرجح أن تكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها، ولكنَّه من غير الواضح كيف سيبدو مثل هكذا هجوم..
١- مشاركة الولايات المتحدة في الضربات:
من المعلوم أن واشنطن تفضِّلُ سلوك الطرق الدبلوماسية بدلاً من اللجوء إلى التصعيد، ويسود لدى معظم قادة المنطقة بما فيهم إيران أن الولايات المتحدة ليست على استعداد حقيقي للقيام بعمل عسكري رداً على تصعيد معين من إيران. خصوصاً مع أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والتحول العلني إلى المنافسة الإستراتيجية مع الصين والغزو الروسي لأوكرانيا، كما يبدو جلياً أن لدى إدارة بايدن رغبة كبيرة في الابتعاد عن نزاع آخر في الشرق الأوسط.
لكن بالطبع فإن أسوأ مخاوف طهران هو أن تنضم الولايات المتحدة إلى إسرائيل في هجوم عسكري ففي هذه الحالة ستكون الردود الإيرانية محدودة وضمن المسموح به بشكل شبيه ربما لمقتل سليماني، لكن يبدو أنه خيار مستبعد حالياً.
٢ – هجمة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة:
إذا قامت إيران برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90%، (المستوى المستخدم في صنع الأسلحة)، وهو الخط الأحمر الذي رسمته إسرائيل لنفسها فمن المحتمل ألا تقوم إسرائيل بشنّ هجوم على الفور، حيث ستنتظر لترى ردّ فعل العالم وما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ إجراءً قوياً. وفي حال عدم الرد على الخطوات الإيرانية فسيتعين على إسرائيل التصرف في هذه الحالة ومن المحتمل أن تتلقى دعمًا أمريكيًا عبر تزويد تل أبيب بأسلحة معينة بالإضافة لدعم استخباراتي لجعل الضربة أكثر فعَّالية.
ترتفع أسهم هذا الهجمات، خصوصاً بعد أشهر من المفاوضات النووية غير المثمرة مع إيران، والاحتجاجات المحلية الإيرانية والدعم العسكري الإيراني لحرب روسيا ضد أوكرانيا، كما تبدو الحكومة الأمريكية أكثر مرونة مع حكومة نتنياهو فيما يتعلق بمناقشة الخطط العسكرية المحتملة لردع برنامج الإيراني بما فيها دعم الضربات الجوية.
٣-هجمة إسرائيلية “فردية”:
لا يستبعد أن تتصرف إسرائيل بمعزل عن الولايات المتحدة وتنفذ هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية، لوقف تقدم طهران السريع في الحصول على سلاح نووي.
وبحسب مجلة “نيوزويك” الأميركية فإن إسرائيل ظلت لسنوات تفضل الجلوس في المقعد الخلفي لصانعي السياسة الأميركيين في التعامل مع التهديد الذي تشكله إيران شبه النووية، لكن في الآونة الأخيرة أشار عاملان -على الأقل- أن إسرائيل قد لا تكون على استعداد للبقاء على الهامش لفترة أطول:
1- الأول هو استمرار تقدم إيران النووي.
2- التعاون الإستراتيجي المتزايد بين روسيا وإيران.
وعلى الرغم من الانقسامات الداخلية الهائلة في الكيان الإسرائيلي فإن هناك إجماعاً دائماً بين اليمن واليسار على أن إيران تمثل تهديداً وجودياً، وأن الالتزام بمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية يتجاوز التحولات السياسية.
ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كان بإمكان إسرائيل الهجوم بمفردها نظراً لحاجتها لناقلات تزويد الوقود من الولايات المتحدة لتنفيذ سلسلة من الضربات اللازمة لاختراق المنشآت النووية الإيرانية المحصنة، ولن تبدأ هذه الناقلات بالوصول قبل تشرين الأول/أكتوبر 2025، وقد رفض البنتاغون طلبات تسليمها لإسرائيل في وقت مبكر من الموعد المحدد بحسب معهد واشنطن للدراسات. (لتجاوز هذه العقبة قد تسعى إسرائيل لاستخدام قواعد جوية أقرب إلى إيران).
يبقى هذا الخيار قائماً رغم الشك بقدرة إسرائيل على توجيه ضربة فردية ناجحة بشكل كامل، وما يتبع هذه الضربة من اضطرابات قد تصل لمستوى الصراع في المنطقة بكاملها.
ختاماً:
– على الرغم من تنفيذ جهاز الموساد العشرات من العمليات السرية ضد البرنامج النووي الإيراني، كعمليات الاغتيال التي طالت علماء ذرة، والهجمات السيبرانية ضد المنشآت النووية والتفجيرات التي ضربت البنى العسكرية في عمق إيران؛ فإنها لم تنجح في إجبار إيران على التراجع عن مواصلة تطوير برنامجها النووي.
– أضف إليها، عدم رغبة واشنطن في الانخراط بعمل عسكري واسع قد يترتب على استهداف المنشآت الإيرانية وعدم قدرة إسرائيل على ضمان تنفيذ ضربة منفردة ناجحة بنسبة 100%، فمن المرجح أن تستمر إسرائيل في تكثيف الجهود لإقناع الولايات المتحدة وأوروبا بفرض مزيد من العقوبات على البرنامج النووي ووضع خطط عسكرية للتعامل مع المنشآت النووية الإيرانية. إلى جانب مواصلة تنفيذ العمليات السرية لتعطيل البرنامج النووي الإيراني وقدرات إيران الصاروخية ومصانع طائراتها المسيّرة.
– مع العلم أن هذه المقاربة تحمل في طياتها مخاطرةً كبيرةً أيضًا؛ لأن إيران قد تندفع في اتجاه امتلاك سلاح نووي، باعتباره السبيل الوحيد لحماية نفسها. ومن المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل في المقاربة السابقة – الدبلوماسية والتهديد – حتى توفر معطيات أحدث، مثل رفع تخصيب اليورانيوم في إيران لمستوى يُمَكِّنُهَا من صناعة السلاح النووي، فعندئذ يمكن للولايات المتحدة دعم إسرائيل بالمعدات اللازمة لتنفيذ ضربة قد تكون قادمة لامحالة..