تحليل عسكري
- قراءة من معركة طوفان الأقصى
- من خلال المشاهد التي نشرها إعلام #القسام قبل أيام قليلة لعملية استهداف جيب عسكري إسرائيلي من نوع همر في أحد محاور التقدم في شمالي قطاع غزة وتحديداً في منطقة أبراج الندى على تخوم مخيم جباليا..
حيث ظهر في المقطع، توثيق مرئي لمَسير تكتيكي لرتل عسكري إسرائيلي على المعبر الوصولي ( مقترب أبراج الندى ) الذي يصل للأهداف الحيوية لعمق منطقة شمال مخيم جباليا الدفاعية في المنطقة الأمامية للقطاع الدفاعي للواء الشمال، والرتل العسكري الإسرائيلي عبارة عن قوة مناورة هجومية دخلت ميدان المعركة لأغراض التعزيز أو استثمار النجاح، أو كقوة مكلفة بمَهمَّة متابعة واستلام في عمق هذا المحور..
وهذه القوة عبارة عن فريق قتالي بقوام سرية، مُنظَّم للقتال المؤقَّت تتكون من: ( فصيل مدرعات( دبابات) + فصيل مشاة آلي معزز + فصيل هندسة قتالية + وحدة قيادة و تخصصات ).
ومما سبق ذكره، نرى عدة ملاحظات مهنية وقتالية على أداء كتائب القسام، وهي على النحو الآتي:
▪️أولاً، الجانب الفني والمهني:
- توظيف مستمر لسلاح مضاد الدروع وتحديداً م/ د الموجه في عمليات الدفاع والهجوم بالنيران على القوات المهاجمة بغرض تدمير وقتل هذه القوات ضمن إجراءات الدفاع المدروس والدفاع العاجل.
- انتقاء مدروس في عمليات قنص الآليات المعادية عبر أسلحة م/ د الموجهة، إذ قام طاقم رماية الصاروخ الموجه (الكورنيت) بانتقاء جيب الهمر العسكري في مؤخرة الرتل القتالي المُتقدم، وترك بقية الآليات العسكرية تُمر بشكل طبيعي والتي كانت عبارة عن ناقلات جند ودبابات وجرافة هندسية، رغم أنها كانت ضمن المدى المجدي للصاروخ الموجَّه، وهذا يعود لأداء فني ومهني رائع من طاقم الرماية وآمره في عملية الهجوم بالنيران على القوة المهاجمة، ونرى أن الأسباب التي دفعت طاقم الرماية لانتقاء جيب الهمر دون غيره هي :
1- نوع الهدف المُنتقى المُستهدف، وهو آلية عسكرية أقل تدريعاً من بين الآليات التي تُمر من أمام منظار رمايته ومدى سلاحه الفعَّال، و في نفس الوقت فإن جيب الهمر كان في وضع مكشوف من جهة الأعلى، وحتى أنه لم يكن مُجهَّزاً بنوافذ حماية أو حجب رؤية من المجنَّبات.
2- في معظم الأحيان، يحمل جيب الهمر ضباطاً من رتب عسكرية عالية، منهم قيادة القوة المتحركة، وعادة ما تسير مركباتهم خلف الآليات الأكثر تدريعاً والمجهَّزة عادةً بإنذار مبكر وحماية، وانتقاءه دون الأهداف الأخرى المُتاحة والتي كانت بمرمى النيران، يعني إنجازاً ميدانياً وعملياتياً عبر مزيد من الاستنزاف في الصف القيادي العملياتي، والتسبب بحالة من الخلل والعجز لدى القوة المتقدمة، عبر تغييب قادتها وضباطها.
- جاء هذا الانتقاء في محاولة حثيثة من طاقم الرماية وآمره، لتحقيق أكبر تأثير ممكن في جسم القوة المُهاجِمَة تدميراً وقتلاً، وإعاقة تقدمه وتعطيل خطته.
- كانت الرماية دقيقة مع أن الهدف متحرك، وهذا يدلُّ على مهارة عالية يتمتع بها الرامي ( قناص الآلية ) وطواقم سلاح مضاد الدروع القسامي، حيث كان الرتل والجيب في وضعية متحركة وعلى مسافة متوسطة من الرامي، وضمن مداه الفعال والنهائي، وأصابت الضربة وسط الهدف.
- نظراً لتطور مجريات المعركة والمفاجآت التي تواجِه القائدَ ووحداته في الميدان، فإن عملية قنص هذا الجيب بصاروخ كورنيت من النوع المضاد للأفراد، تعطي نتائج أفضل وتأثيراً أكبر من حيث أعداد القتلى، حيث ظهر بالتوثيق المرئي نهوض بعض الجنود أو الضباط عن الأرض بعد إصابة الصاروخ للجيب الذي يحملهم بشكل مباشر ودقيق، وعلى ما يبدو فإن صاروخ الكورنيت الذي كان متوفراً لدى طاقم الرماية كان من النوع المضاد للدروع وليس للأفراد.
- ▪️ثانياً، في الجانب القتالي والعملياتي:
- يظهر الاستخدامُ الصحيح للأرض من قبل ضباط العمليات والاستخبارات القتالية في ألوية القسام المناطقيةَ الدفاعية، حيث حُدِدَت حقول الرؤيا وميادين الرماية بشكل مُسبق من أجل تحقيق رؤية واضحة لرماة النيران وأسلحة الدعم القتالي.
- تخطيط دقيق من قِبَل ضباط العمليات المعنيين بالمنطقة الدفاعية في هذا المحور، للمعابر الوصولية ( المُقتَربات) المتوقع اندفاع القوات المهاجمة عبرها نحو عمق المنطقة الدفاعية، وأيضاً معرفة مهنية في تقدير قوام ونوع القوات التي يمكن أن تمر من خلال هذا المُقترب، عبر تحليل منطقة العمليات، وهذه مهمة ضابط الاستخبارات للوصول لطريقة عمل العدو، واتساع المقترب من حيث انفتاح تشكيل القوة المهاجمة داخله، وإلى أين يمكنه أن يصل.. وبالتالي مساعدة العمليات في تغطيته بالنيران طوال فترة الدفاع العاجل والدفاع مع فرصة.
- الاحتفاظ بالعوارض الحساسة التي تعطي المدافع ميزات تكتيكية في دفاعه عن مواقعه الدفاعية ومنطقة المسؤولية، وتحقق له سيطرة بالنظر والنار، وتحرم القوات المهاجمة من أي استقرار أو احتفاظ بالأرض أو إحداث خرق سريع وناجح في عمق المنطقة الدفاعية، واستثمار هذه العوارض بوضع قواعد نيران ثابتة ومتحركة وتوجيهها على طول المقتربات (المعابر الوصولية) التي تمر بالمواقع الدفاعية.
- يظهر جلياً دور وحدة الرصد والاستطلاع (مهمة الستارة) في عملية رصد وتعقب الأهداف المعادية على طول المعابر الوصولية داخل المنطقة الدفاعية، وسرعة توزيعها للمعلومات الاستخباراتية على المستويات القيادية المعنية واستجابتها لمتطلبات الاستخبارات، وتنسيقها مع الوحدات الداعمة ذات العلاقة والصلة للتعامل مع الأهداف حسب الخطة الدفاعية المركزية.
- التطبيق الفريد عملياً لمفاهيم إدارة المعركة من ركن العمليات بالقطاع الدفاعي التي يتبع له هذا المحور، عبر تنسيق رائع بين المكونات لتكامل الجهود القتالية، والقيادة والسيطرة على القوات المدافعة ووحداتها الداعمة والخدماتية في سبيل تحقيق مهمة الدفاع على محاور المنطقة الدفاعية كجزء من مهمة أكبر للدفاع عن القطاع الدفاعي.
- إدراك عميق لأساليب القوات المهاجمة وتكتيكاتها في عمليات التقرُّب العملياتي، والمَسير الذي تتبعه للوصول للأهداف الحيوية أو الالتحاق بالقوات المتقدمة من خلال المقتربات المتوفرة في منطقة العمليات.
- هناك توظيف رائع لرجال الإعلام العسكري في معظم الأعمال العسكرية للقسام، فيظهر لنا وجود الكاميرا قبل السلاح في تنفيذ المهام الخاصة الموكلة لكافة الوحدات العاملة في الميدان، وفي هذه المشاهد رأينا همة ميدانية ورباطة جأش من المصور العسكري لنقل هذا التوثيق، وبهذه الدقة والسرعة ليصل لوسائل الإعلام عبر الطرق الرسمية، وهذا يؤكد وجود منظومة قيادة وسيطرة تدير المعركة بكل حنكة واقتدار، وتعلم قيمة الصورة العسكرية ومدى تأثيرها في المعركة.
- وأخيراً فإن الأعمال الهجومية التي ما زالت مستمرة في سياق الدفاع العام عن مناطق المسؤولية في قطاع غزة، تلقي بظلالها على المشهد الميداني العام، وتؤكد نجاعة إستراتيجية الدفاع التعرضي في كسر موجات الهجوم الإسرائيلية المتتالية والزخم الناري والقتالي غير المسبوق، وتأثير العقيدة العسكرية التي تتبناها هيئة أركان القسام في تشغيل القوة، ومفاهيم إدارة المعركة التي تتبعها، كمنظومة عسكرية قائمة ومسيطرة على أرض، وتخوض صراع بقاء وحرب وجود مع القوة الأكبر والأكثر تطوراً في الشرق الأوسط.
- أسامة خالد