- قراءة عسكرية من معركة طوفان الأقصى
- الكاتب: أسامة خالد
من خلال مراقبة السلوك العسكري والأمني للجيش الإسرائيلي في ميدان المعركة ومحاور التقدم واتجاهات الهجوم في مسرح العمليات بقطاع غزة، وربطها بالأهداف السياسية والعسكرية المعلنة من رئاسة الكيان الإسرائيلي والتصريحات المستمرة من الائتلاف الحاكم والمعارضة الإسرائيلية بشأن الاستمرار بالحرب وأنهم يخوضون حرباً وجودية وصراع بقاء مع المقاومة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر.. نرى سعياً إسرائيلياً دؤوباً لإقامة منطقة عازلة على طول الحدود الفاصلة مع قطاع غزة من الجهة الشرقية والشمالية، عبر تنفيذهم سلسلة من الأعمال الأمنية والعسكرية، بغرض تحقيق إنجازات سياسية وإستراتيجية على المدى البعيد، أهمها ضمان الأمن والهدوء الطويل على الجبهة الجنوبية ( قطاع غزة)، ومنع تكرار عمليات مشابهة لعملية السابع من أكتوبر والتي يتعامل معها المستوى الرسمي الإسرائيلي على أنها شكلت تهديداً وجودياً على الكيان برمته.
أولاً : أهم أهداف إقامة المنطقة العازلة:
1 – إنشاء حزام أمني على طول الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، ولعدة كيلو مترات في عمق القطاع، لأغراض إستراتيجية تخدم أمن الكيان برمته.
2 – إقامة منطقة تأمين عسكرية منزوعة السلاح، وخالية من السكان وغير صالحة للعيش، تحقق تأميناً عسكرياً للقوات المتواجدة من فرقة غزة المناطقية المعروفة بثعالب النار على الحدود الفاصلة مع القطاع وقواعدها الثابتة هناك.
3- ضمان الهدوء الطويل والتام للمغتصبات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، والتي تُعرف (ببلدات غلاف غزة)، وحمايتها من أي أخطار متوقعة لاحقاً، وتشجيع الصهاينة النازحين على العودة للسكن فيها من جديد من خلال إقامة المنطقة العازلة.
4- تحقيق سيطرة نارية دائمة، وتواجد مادي قتالي في نقاط الوهن والضعف في بقع المنطقة العازلة المتوقعة، من خلال الكمائن، وبعض ثكنات المراقبة الثابتة.
5- القضاء على تهديد الأنفاق الإستراتيجية للمقاومة في المناطق الحدودية، عبر منع حفرها مجدداً في المنطقة العازلة، ومنع وصول تلك الأنفاق إلى تحت المواقع والمغتصبات فيما يعرف (بغلاف غزة).
6- وقف أي عمليات تسلل للمقاومة من جهة قطاع غزة نحو بلدات الغلاف والمواقع العسكرية المحاذية، من خلال مواقع متقدمة داخل قطاع غزة، وهذا يلزمه منطقة عازلة أمام الحدود.
7- الحد من خطر وتأثير النيران القوسية كالقذائف الصاروخية و قذائف الهاون ذات المدى القصير، عبر تقصير مدى إطلاقها إن حاولت المقاومة استخدامها مجدداً ضد الأهداف الصهيونية في (غلاف غزة)، من خلال منع اطلاقها من المنطقة العازلة التي ستقضم جغرافياً عدة كيلو مترات من المساحة الأصلية لقطاع غزة.
8- تحقيق تأمين معلوماتي لبلدات الغلاف والمواقع العسكرية الإسرائيلية لفرقة غزة، من خلال حرمان استخبارات المقاومة من تنفيذ مهام الرصد والاستطلاع من نقاط الرصد القريبة التي كانت قبل الحرب على الحافة الأمامية الشرقية والشمالية بهدف الحصول على إحاطة أمنية ومعلوماتية عن البقع الحيوية بعمق الغلاف ومنطقتي التأثير والاهتمام، وبالتالي منع المقاومة من أي تحليل كامل ودقيق لمنطقة العمليات.
9- الاحتفاظ بقطعة من الأرض كمنطقة عسكرية مغلقة، تكون بين منطقة صلاحيات فرقة غزة ومناطق عمق قطاع غزة، وبمثابة رؤوس جسور جاهزة تساعد عملياتياً في حال الحاجة لعمليات توغل في محاور التقدم نحو بقع العمليات بقطاع غزة.
10- امتلاك ورقة تفاوض قوية بيد الساسة الإسرائيليين في إدارة المعركة الدبلوماسية والتفاوضية، واستثمارها في تعزيز المكاسب التي يرنو لها الكيان على كافة المستويات.
11- الخروج بصورة انتصار أمام الجمهور الإسرائيلي، وأن إنجازاً كبيراً تحقق في الحرب بقضم جغرافي جديد يمنع أي تهديد مستقبلي مشابه للسابع من اكتوبر.
ثانياً: أهم الإجراءات والآليات المتوقعة لإقامة المنطقة العازلة:
بداية، فإن الشروع بهذه الإجراءات يعتمد على إنجاز حقيقي من القوات العسكرية المُزجة في مناطق العمليات بمحاور الجهد الرئيسي والثانوي بقطاع غزة، للمرحلة الثالثة (التطويق) والمرحلة الرابعة (التطهير)، للوصول لعملية الاستقرار التي تسمح بإنشاء حزام أمني ومنطقة عازلة تحت السيطرة النارية والقتالية، ثم إعادة تموضع التشكيلات القتالية المُزجة إلى خارج مناطق العمليات نحو الخطوط الخلفية لساحة العمليات، والتركيز بعدها على هجمات خاصة ودقيقة حسب
متطلبات المرحلة اللاحقة.
ونرى من إجراءات متوقعة وقادمة لإنشاء هذه المنطقة ما يلي :
1- بدء توسيع دائرة الهجوم والتقدم البري الإسرائيلي نحو مناطق جديدة في محور الجهد الثانوي (الوسطى – خانيونس – رفح) وتحديداً في منطقتي (البريج – والمغازي – شرق محافظة رفح – محور فيلادلفيا القريب من الحدود المصرية)، وإجبار السكان الغزيين على إخلائها، تمهيداً لتدمير المباني وضمان دخول سريع وناجح فيها، قضماً للجغرافيا وللقضاء على ما يعتقد الجيش الإسرائيلي أنه أصول بشرية ومادية للمقاومة هناك.
2- تضييق وضغط أكبر على الحاضنة الشعبية للمقاومة في القاطعين الشمالي والجنوبي من قطاع غزة، وحصرهم بالنار والتهديد في أماكن النزوح الحالية، وإجبارهم على عدم العودة لبعض المناطق بعد الخفض المتوقع لوتيرة الحملة البرية بدايةَ العام القادم.
3- إعادة انتشار وتموضع جديد لبعض قطاعات وتشكيلات الجيش الإسرائيلي إلى خارج حدود قطاع غزة، وتسريح جزء من الاحتياط الذي زُجَّ به منذ بداية الحملة البرية العسكرية على قطاع غزة، والعمل على إعادة تنظيم بعض ألوية المشاة النخبوية التي لحقت بها خسائر جسيمة في المعارك بعمق مناطق العمليات.
4- اعتماد إجراءات الأمن الجاري في أرض وسماء المنطقة العازلة التي سيقيمها جيش الاحتلال من قبل قيادة المنطقة الجنوبية وتكليف فرقة غزة المناطقية بها، مع توسيع منطقة صلاحيات فرقة غزة للأمام داخل عمق غزة في هذه المنطقة.
5- القيام بإجراءات التأمين الهندسي على طول المنطقة العازلة وعمقها، بما يضمن سلامة القوات العاملة بها دخولاً وخروجاً، وبما يمنع أي عمليات تسلسل أو دخول لها من قبل العدو، وأيضاً القيام بتجهيز هندسي للعمليات الدفاعية والهجومية بالمنطقة.
6- إقامة عدة أبراج مراقبة وثكنات عسكرية في نقاط محددة بالمنطقة العازلة، لتحقيق عملية رصد ومراقبة مستدامة للجهة المقابلة في عمق قطاع غزة، وكذلك لتعقب أي عملية تقرب تكتيكي أو عملياتي إلى هذه المنطقة.
7 – اتباع إجراءات أمنية واستخباراتية بين شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وسلاح الجو لوأد أي تهديد متوقع عبر التعاون الوثيق والمباشر داخل عمق القطاع أو على أطراف المنطقة العازلة، مع إمكانية القيام بعمليات خاصة في عمق مناطق قطاع غزة، من خلال الوحدات الخاصة التي تُوظف لأغراض استخباراتية وعملياتية.
8- المزيد من التحكم في حركة المعابر الحدودية مع قطاع غزة، واستثمار ذلك في الضغط على المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، والابتزاز الإنساني بشكل قذر ومنافٍ لما يدعونه من قوانين وأعراف دولية.
9- سيطرة فعلية ومباشرة على المعبر الوصولي الرئيسي بالقطاع ( خط صلاح الدين الايوبي ) الذي يصل قطاع غزة من شماله حتى جنوبه، وهو شريان بري رئيسي يربط المحافظات الخمسة في قطاع غزة ببعضها، عبر سيطرة نارية على طول الخط، وسيطرة عملياتية عليه حسب الحاجة وطبيعة الموقف.
نرى أن الإصرار الإسرائيلي لتحقيق هدف إقامة المنطقة العازلة، مستمر رغم التصريحات الأمريكية الرافضة لهذا الأمر، وهناك محاولة للالتفاف على الضغط الدولي الحاصل، ولا زلنا نلمس تبايناً واضحاً في بعض الإجراءات والخطط التي تراها أمريكا مناسبة للوصول لحلول سياسية تنهي الحرب في غزة، وتضمن عدم توسعها أو تحوُّلها لحرب إقليمية واسعة، خاصة مع تصعيد جماعة الحوثي في البحر الأحمر، واستمرار استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا من الفصائل المحسوبة على محور إيران، وأيضاً في ظل ارتفاع منسوب المناوشات في جنوب لبنان مع حزب الله.
كما نلحظ أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية في حالة من الترقب لمعرفة مآلات الحرب المستمرة على غزة، خاصة مع تساقط مستمر للصواريخ على عمق الكيان، وعدم إحراز تقدم ملموس في ملف الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، والنزيف الاقتصادي المستمر في الكيان.
أخيراً نقرأ قناعةً لدى أطراف داخل الكيان وداعميه في الغرب باستحالة القضاء التام على المقاومة وتحديداً حركة حماس كونها الحاكم الفعلي للقطاع، وبات كثير من الأطراف يطرح مبادرات للنزول عن الشجرة، لمنع مزيد من التعقيد في المشهد الإقليمي والدولي جراء استمرار الحرب على غزة.
ومما سبق ذكره يمكننا القول، أنه قد يُقصّر من أمد المعركة الجارية، ويخفف من حدتها في الفترة القليلة المُقبلة، ونتوقع في شهر شباط القادم انخفاضاً في مستوى العمليات العسكرية وتراجع في وتيرتها في قطاع غزة، ربما يُمهد لحلول سياسية توقف الحرب، وحينها سيتضح مدى نجاح القيادة الصهيونية من عدمه، في إقامة المنطقة العازلة وحجمها وعمقها، وقدرتها على الإستثمار بها على طاولة التفاوض مع الأطراف.
1 تعليق واحد. Leave new
وقف الحرب وطريق التفاوض مع تسليم عصابة البنا السلاح